التركمــان والسومريون
بقلم : أياد علي الحسني
يعتقد بعض الناس خاصة في العراق بأن التركمان في العراق هم من بقايا الدولة العثمانية التي حكمت أكثر من ستة قرون بأجزاء واسعة من العالم من ضمنها العراق ومنهم من يذهب إلى ابعد من هذا وبالذات إلى العصر الأموي وإنهم ـ أي الأمويين ـ جلبوا في أوائل حكمهم في 54 هـ بعضا من الأتراك من تركستان لكي يعملوا في الجيش لشدة بأسهم في الحروب ثم توالت موجاتهم حتى نهاية الدولة العباسية وانتهت بحكم المغول والفرس والترك في العراق .
ولكننا نرى بان وجود التركمان في العراق ابعد بكثير من هذه التواريخ ووجودهم قديم قدم التاريخ وإنهم شعب أصيل لا شائبة فيه وأسلافهم هم السومريون الذين سكنوا في القسم الجنوبي من بلاد وادي الرافدين وأسسوا حضارة تعتبر من أولى الحضارات وشيدوا فيه القرى والمدن عرفت المنطقة باسم (بلاد سومر).
التنقيبات الأثرية أثبتت بأن السومريين نزحوا إلى وادي الرافدين من أواسط أسيا في الألف الخامس قبل الميلاد ومنهم من قال الألف الثالث والرابع على اختلاف الروايات وكانوا أصحاب حضارة عريقة لم تقتصر أهميتها على العراق فحسب بل انتشر تأثيرها في أجزاء واسعة من العالم العربي حتى أن بعض كتاب الغرب أشاروا ((بان الترك السومريين نثروا بذور الحضارة في مصرحين هاجروا إليها من أواسط آسيا وسكنوا وادي النيل)).(1)
أصول اللغة السومرية وقواعدها أشبه ما تكون من دون لغات العالم إلى لغة الأقوام التورانية التي تسمى (اورال آلطاي) وهم المغول والترك والمجر والفنلنديين وقد تنبه بهذا لأول مرة العلامة ابن خلدون وذكر في كتابه (المقدمة) بان الفنلنديين هم من الأتراك.
قواعد اللغة السومرية شبيهة بقواعد اللغة التركية بدليل إنها من اللغات الالتصاقية فتلصق بالاسم ضمائر التملك وأدوات الإضافة وحروف الجر والأداة الدالة على الفاعل عندما يكون الفعل متعديا مما يتسبب في ظهور تغييرات صوتية نتيجة لهذا الالتصاق بعكس اللغة العربية التي تأتي حروف الجر دائما قبل الكلمة ثم أن اللغتين متشابهة من ناحية التركيب فتكتب جملة طويلة ربما تكون سطراً أو سطرين ولا تجد الفاعل إلا في نهاية الجملة إضافة إلى هذا وجود أكثر من (200) كلمه وقال بعضهم (600) كلمه سومرية في اللغة التركية أو بالأحرى تشابه الكلمات في اللغتين السومرية والتركية .
وقد ثبت هذه الكلمات الباحث التركمانستاني (بك مرادغراي )في كتابه(آصرة 5000 عام بين السومريين و التركمان)(2)
وقد أشار الدكتور حسين مجيب المصري في كتابه((تاريخ الأدب التركي)) المطبوع في القاهرة سنة 1951يقول
(أن التاريخ ليذكر هجرتهم في الألف الخامس قبل الميلاد إلى حوض دجلة والفرات وهي هجرة الترك السومريين الذين سكنوا هذا الإقليم وشادوا فيه حضارة زاهرة من أولى حضارات الدنيا ويؤخذ من تصاوير السومريين وتماثيلهم إنهم يشبهون الترك في ملامحهم كما أن نحواً من مائتي أصل من أصول الكلمات في لغتهم مازالت في التركية الحديثة)) ثم يستطرد قائلاً بان ((الحيثيين فرع من تلك الشعوب التركية التي نزحت نحو الغرب منذ عهود سحيقة قبل التاريخ من براري تركستان ثم استقرت في الأناضول وأسست لها هناك مدينة عظيمة 3
مدينة (سمرقند) مدينة قديمة موغلة في أعماق التاريخ وهي مدينة تركستانية في جمهورية أوزبكستان الحالية وكانت حاضرة للعالم الإسلامي ومدرسة خرجت العلماء والفلاسفة كانوا ولا يزالون هم مفخرة الأجيال وشعبها يتكلمون باللغة التركية ولو أرجعنا اسم هذه المدينة إلى أصلها نرى إنها متكونة من كلمتين هما((سومر وكنت))معناها بالتركية ((مدينة سومر)) كما أن هناك مدينة بنفس الشكل هي ((طاش قند))واصلها من كلمتين((طاش وكنت))أي مدينة الحجر وهذا يدل دلالة قاطعة على أن أصل السومريين من تركستان .
عندما كنت طالبا في كلية الآداب في بداية السبعينات سألت العلامة المرحوم (طه باقر) العالم الاثاري المعروف المختص في اللغة السومرية مستفسرا هل هناك ثمة علاقة بين السومرية والتركية أو هل كان السومريون يتكلمون بالتركية ؟ابتسم قائلاً قل لي بالتركية ((من البيت ))قلت ((ئه وده ن ,evdan))فكتب بالحروف السومرية نفس الكلمة ثم أضاف بان اللغة السومرية هي لغة التصاقية كما هي الحال في التركية وأصول قواعد اللغتين متشابهه .
التاريخ يحدثنا بان الموطن الأصلي للسومريين منطقة (قره قوم ) (4)
الواقعة ألان في جمهورية تركمانستان عندما أصابها القحط والجفاف هاجر السومريون إلى وادي الرافدين بحثاً عن الماء والعشب والعيش الرغيد وحملوا معهم حضاراتهم وأسماء مدنهم و الأشخاص وشيدوا فيه القرى والمدن و بنو البيوت والمعابد وسموها بنفس الاسم بدليل أن كلمة (أور)تعني في السومرية(الإنسان)ا والرجل في التركية(أر) وردت لهذه اللفظة أو التسمية أسماء مدن ومناطق وأشخاص في تركستان وتركيا والعراق و أذربيجان ولكن بتعابير مختلفة مثلاً :
1ـ تسمية أور و ملحقاتها جاءت كالآتي :
أـ "أور"اسم مدينة في جنوب العراق قرب الناصرية وهي مدينة سومرية معروفة والتي عثر فيها على المقبرة الملكية والكنوز الثمينة مثل الأقداح والحلي والأسلحة الذهبية كالخناجر والسكاكين ومجموعات من ألآلات الموسيقية مثل القيثارة المطعمة بالذهب و الأحجار الكريمة وكانت هذه المدينة مركزاً لعبادة اله القمر المعروف باسم (سين) ثم أن السومريين في هذه المدينة توصلوا إلى استعمال الكتابة لأول مرة واختراعها في تاريخ العالم وإنهم نقلوها من موطنهم الأصلي .
ب ـ اورفه:التسمية متكونة من شقين "أور_ فه"الشق الأول معروف والشق الثاني لا نعرف معناه ربما هو ملحق أو ضمير . وهي مدينة معروفه في جنوب شرق تركيا فيها موقع يضم المحرقة التي خصصت لقتل نبي الله إبراهيم "ع" حرقاً وقد أصبحت النار له برداً وسلاما بأمر ربه وكذلك النهر الذي حملت منه الضفادع الماء بأفواههم لإخماد النار والنهر مليء بالأسماك ولا يتجرأ احد بصيدها والمعروف في التاريخ بأن إبراهيم "ع" كان سومرياً ومستعرباً واسم والده ((آزر))و هو تأرخ في العبرانية.
جـ ـ أور ـ غنج:اسم مدينة قديمة في جمهورية تركمانستان وهناك مدينة بنفس الاسم في اوزبكستان .
دـ أور ـ نمو :اسم ملك سومري حكم سنة 2113ق.م واتخذ مدينة أور عاصمة له ويعد هذا الملك من أقدم المشرعين في التاريخ وقانونه مدون باللغة السومرية .
هـ ـ أور ـ وك : اسم مدينة سومرية تحولت إلى ((الوركاء)) قرب مدينة السماوة في جنوب العراق .
و_ أور- ميه: اسم مدينه في اذربيجان الإيرانية سكانها يتكلمون باللغة التركية وإنها متكونة من كلمتين تركيتين أور و(ميه) الأولى معروفه والثانية بمعنى (لي) أي لي الرجل أو الشجاع واغلب الظن إنها كانت على النحو(أور ميم) أي أنا الشجاع أو من الرجل وان الحرف الاخير حذفت نتيجة التكرار .
2ـ تسمية( آنو)جاءت كالأتي:
أ ـ آنو :خرائب تقع على بعد 14كم من شرقي مدينة (عشق آباد) عاصمة تركمانستان تعود هذه الخرائب لأشهر ألهه سومرية (اله السماء) .
ب ـ آنو :اسم اكبر معبد في مدينة (أوروك) الوركاء الحالية الواقعة بين مدينة السماوة و الناصرية في جنوب العراق .
3 ـ تسمية (نوزي ـ نوسي ـ نوساي) جاءت كالاتي :
أـ (نوزي):اسم مدينة سومرية على بعد 12 كم جنوب مدينة كركوك قرب ناحية تازه خورماتو يقطنها التركمان ربما أصل التسمية كانت (نوـ سي) وهي معروفة الآن "يورغان تپه" . "نو" تعني بالسومرية الإنسان و"سي" الصديق المحترم ويكون معنى التسمية الصديق هو الإنسان المحترم .
ب ـ نوساي : خرائب تقع في مدينة عشق آباد التركمانستانية . "ساي " تعني بالسومرية المختار ومعنى كلمة نوساي الإنسان المختار .
4 ـ تسمية (تپه) وملحقاتها .معنى الكلمة بالتركية (التل) وأكثر الظن إنها سومرية
أـ كاوور تپه : اسم مدينة سومريه في تركمانستان وسميت بنفس الصيغة لمنطقة في كركوك باسم( كاوور باغي).
ب ـ يورغان تپه :وهي خرائب مدينة نوزي الأثرية في كركوك .
ج ـ تپه كورا: اسم معبد سومري في جنوب العراق شيد في عصر فجر التاريخ . (5) والجدير بالذكر أن الأتراك عندما كانوا يهاجرون من مكان إلى آخر يحملون معهم كما ذكرنا أسماء مدنهم وقراهم ويطلقونها على منشاتهم الجديدة . شارك وفد ثقافي اذربيجاني سنة 1994 م في مهرجان الشاعر فضولي البغدادي في بغداد وكنت معهم أثناء مغادرتهم بغداد متوجهاً إلى كركوك وفي الطريق عندما وصلنا إلى قرى عشيرة (بيات) قرب مدينة طوز خورماتو ذكرت لهم أسماء هذه القرى فاستغرب الجميع بتشابه الأسماء بقراهم حتى ان احدهم هو (اياز وفالي)الكاتب الاذري المعروف قال لي انا من عشيرة (شاه ـ سيوه ن) عندما ذكرت لهم اسم هذه القرية وفي العام الماضي تعرفت في مدينة مشهد بإيران على شاب آذري من مدينة تبريز وعندما ناولني عنوانه وجدته ناحية (ليلان ) استغربت كثيراً وقلت اين تقع هذه المدينة أجاب على بعد عشرين كم جنوب مدينة تبريز ثم ذكرت له بوجود مدينة بنفس الاسم قرب مدينة كركوك العراقية .
وكذلك في مدينة تبريز تعرفت على شاب وعندما سألته عن اسم مد ينته أجاب إنني من مدينة (دركزل) الواقعة على مقربة من تبريز قلت هناك في كركوك وبالذات في ناحية تازه خورماتو عشيرة تركمانية بنفس الاسم .ا بتسم قائلاً ربما نحن منهم أو هم منا أو أننا أقارب ومعارف مهما بعدت المسافات .
المصادر
1ـ حسين مجيب المصري :تاريخ الأدب التركي نقلاً عن : ايفر نول في كتابه تركيا المتطورة
2ـ مجلة سومر : وهنا يجب أن نثمن جهود صديقنا العزيز الأستاذ الفاضل نصرت مردان في تعريفه هذا الكتاب وعرضه على قراء مجلته
3ـ حسين مجيب المصري : نفس المصدر صـ20
4ـ المعلومات عن تركمانستان مستقات من مجلة سومر
5ـ العراق في التاريخ صـ61