لم يبق أمام الشعوب الإسلامية خيار للحد من ثقافة الموت و الاحتراب و العداء و الإقصاء المتفشية في كل مكان ، سوى تبني قيم التسامح و العفو و المغفرة و الرحمة و الإخوة و السلام ، لنزع فتيل التوتر و تحويل نقاط الخلاف إلى مساحة للحوار و التفاهم بدل الاقتتال و التناحر. و هو عمل صعب يستدعي جهودا يتضافر فيها الخطاب الإعلامي مع الخطاب الثقافي و الديني و السياسي و التربوي. و يتطلب تعاون الفرد مع المجتمع ، و الشعب مع القانون ، و الدولة و الدستور . إنه عمل جذري يستهدف البنى الفكرية و العقيدية للمجتمع ، و إعادة صياغة العقل و الأولويات و الوعي ، و تقديم فهم عصري للدين و الرسالة و الهدف ، و نقد للمفاهيم و القيم و السلوك ، و رسم مستقبل جديد للفرد و الشعب و الوطن ، و قراءة متفهمة للتراث و التاريخ ، و عودة إلى القرآن و العقل ، و التخلي عن العنف و التنابذ ، و التمسك بالاحترام و التسامح ، و فهم آخر للحياة و العمل الصالح.
إن ما نشاهده اليوم من مظاهر عنف و احتراب يستدعي العودة إلى الذات لمراجعتها و نقدها ، و الوقوف على مواضع الخلل فيها لتقويمها و معالجتها. ثم الارتكاز إلى قيم جديدة تستبعد الكراهية و الحقد ، و تنفتح على قيم الإنسانية و الدين. و هذا يتطلب الغوص في أعماق الفكر و العقيدة بحثا عن جذور المشكلة. أي ينبغي البحث عن الدوافع الحقيقية وراء ثقافة الموت و الاستهانة بالحياة و تكفير المجتمع. و تقصي المفاهيم المسؤولة عن صياغة البنى الفكرية و المعرفية لعدوانية المرء تجاه الآخر ، أيا كان الآخر داخليا أم خارجيا ، دينيا أم سياسيا. و لنفهم أيضا كيف يستمرئ الإنسان القتل و الاحتراب و يرفض السلم و الوئام ؟. هل هناك مفاهيم عقيدية أو دينية أو أخلاقية وراء ذلك؟. إذن التسامح ليس مجرد مفهوم يراد استبيانه ضمن النسق القيمي للمجتمع و إنما هو نسق ثقافي و فكري و عقيدي مغاير ، له آليته في العمل ، و أسلوبه في التأثير ، و منهجه في التفكير ، و طريقته في الاشتغال. فلا يمكن سيادة قيم التسامح ما لم تكتمل جميع مقدماته. أي أن التسامح يقوم على سلسلة عمليات فكرية و ثقافية يخضع لها الفرد و المجتمع كي يعمل بشكل صحيح و مؤثر. أو ثمة قيم يجب استئصالها و إحلال قيم جديدة محلها كي تكون قاعدة و أرضية لعمل التسامح. آنئذ فقط تتجلى آثاره السياسية و الدينية و الثقافية و الإنسانية. و تختفي مظاهر العنف و الاحتراب لتحل محلها قيم المحبة و السلام. كما ستظهر بحلول التسامح و المداراة مواقف جديدة بعد اختفاء ما كان يترتب على التشدد و التعصب و التسامح و العنف من مواقف سياسية و اجتماعية ، تفضي دائما إلى تأزم العلاقات ثم الدخول في متاهات الحروب و العداء