لمحة عن حياة الاوغوز التركمان:
1- الحياة العائلية:
كان الاوغوز التركمان و خاصة الامراء منهم يتزوجون من امراة واحدة فقط فلم يعرف عندهم الضرة و لا الشريكة, و هذه الخصوصية جديرة بالاهتمام لدرجة كبيرة.
حتى امير الامراء قازان يذكر له في السير اسم زوجة واحدة لا اكثر و هي (بورلا خاتون ذات القوام الطويل). و يلاحظ عليهم معاملتهم اللطيفة بكل تقدير و احترام لزوجاتهم حيث كانوا يتبعون في امور كثيرة نصائح زوجاتهم و يتصرفون بموجبها و يخاطبونها بكلمة كوزلم (جميلتي).
في قضية الزواج كانت لهم عادة ان تطلب عائلة الفتاة مهرا من عائلة الشاب و كانت العائلات المتحابة تخطب اولاد بعضها البعض و هم لم يزالوا اطفالا رضعا, و عندما يخطب الرجل فتاة كان يضع خاتمه الخاص في اصبعها اما الفتاة فكانت تقدم لخطيبها قميصا لونه احمر خيطته بيدها ليلبسها الشاب في ليلة الزفاف.
و في العرس كان هناك تقليد رمي السهام على خاتم العريس من قبل الاصدقاء, هذا وان العريس كان يحدد مكان ليلة الدخلة بواسطة رمي السهم.
و كان امراء وابطال الاوغوز يفضلون ان يقترنوا بفتيات فارسات و محاربات تركبن الحصان و تتقلدن السيف مثلهم, و هذه الرغبة لم تكن عنصرا اسطوريا, بل ان مثل هذه الفتيات و النساء الفارسات بين الاقوام و العشائر التركية كانت موجودة بكثرة في كل زمان, و تاكيدا على ذلك فان احد الاوروبيين الذي مر بالاناضول سائحا في القرن الخامس عشر كتب عن مدى استغرابه و تعجبه من شجاعة النساء التركمانيات و انهن يقاتلن مثل الرجال لذا لا يجب ان يستغرب من قيام الامير التركماني بيرق بمصارعة خطيبته بانو- جيجك, لان العلامة محمود الكاشغري ينقل لنا قولا ماثورا عن الاجداد يقال فيهلا تصارع فتاتا, و لا تسابق خيلا). بيرق الذي لم يعرف هذا القول الماثور للاجداد او لم يراعي ذلك, كان قد تخلص من الهزيمة بصعوبة كبيرة امام خطيبته.
خلاصة القول, كانت للنساء مكانة مرموقة عند الاوغوز و يمكن فهم و ادراك مدى الاعتبار الذي كانت تتمتع به النساء في القوم الاوغوزي في الوسط الاجتماعي و المكانة المرموقة و المشرفة لهن وسط المجتمع الاوغوزي, اذا علمنا بان اوغوز- نامة (الرسائل الاوغوزية) التي كانت مصدرا لشجرة التراكمة لابو الغازي كانت مليئة باسماء نساء كثيرات من الاوغوز قمن باعباء و مسؤوليات اميرية.
اطفال امراء الاوغوز حديثي الولادة كانوا ينامون على اسرة هزازة من الذهب و تقوم المربيات بالعناية بهم حتى يكبرون. ان وجود بنت في العائلة لم يكن عارا لها كما كانت عند العرب. حيث ان (باي بيجن بك), كان قد طلب من الامراء الاوغوز الكبار, الدعاء لكي يرزق بمولودة انثى.
ان تصرفات الاباء تجاه اولادهم كانت تتصف بالشفقة و المحبة , اما الاحترام للام فكان يعبر بكل مناسبة في السير و يقال بان" حق الام, هو حق الله".
ولقد كانت طريقة القاء التحية بايماء الراس الى الاسفل ووضع اليد اليمنى على الصدر الايسر, كانت هذه الطريقة الرئيسية عند اتراك الاناضول في التحية و قد استمر التعامل بها للفترات الاخيرة.
2- الجيش:
تستعمل كلمة ceri في اللغة التركية للدلالة على الجيش.
الجيش الاوغوزي (التركماني) الذي كان يتشكل بالكامل من الجنود الخيالة كان ينقسم بشكل رئيسي الى جناحين هما اليمين و اليسار, و بما ان التفوق السياسي في القوم الاوغوزي حسب ما يذكر في السير كان من نصيب جماعة اوج- اوق فان هؤلاء كانوا يحتلون مكانهم في الجناح الايمن الذي كان يغتبر مقاما رفيعا.
الاسلحة الرئيسية التي تستخدمها الاوغوز في الحروب كانت عبارة عن : السهم, السيف, الرمح. واما اسلحتهم الدفاعية فكانت الترس و درع الظهر.
لن يكون خطأ, وصف السهم بانه سلاح قومي للاتراك, و الحقيقة ان هناك اقوام قليلة جدا في التاريخ بامكانهم استخدام هذا السلاح بمهارة الاتراك و المغول. و يذكر في السير بان السهم يتم تصنيعه من خشب شجرة الارز, اما السهام العثمانية فكانت تصنع من خشب شجرة الصنوبر. و كانت الاقواس تصنع من اوتار (اعصاب) العجول و يروى بان اقواس ابطال السير كانت تصنع من اوتار الذئب. كان الابطال التركمان يقومون برمي السهام الى الاهداف اما لزيادة مهاراتهم في الرماية او التسلية و قضاء اوقات الفراغ.
3- الفروسية:
من المعلوم انه كان للحصان في حياة الاتراك القدماء مكانة كبيرة. اذ ان اهمية الجمل عند العرب تقابلها بنفس الدرجة اهمية الحصان بالنسبة للاتراك. حيث كان يجتاز التركي السهول المترامية الاطراف بواسطته, يأكل من لحمه و يصنع من حليبه شرابه القومي (قمز) و يستفيد من جلده و شعره ايضا.
و قد كان الاوغوز الابطال يكررون القول بان " لا أمل لامرئ مترجل, الحصان يعمل و الانسان يتفاخر".
و قد كان المؤرخون المسلمون يعرفون الاتراك بانهم قوم يملكون احصنة لا حصر لها, و يصفون الهاقان التركي بانه سلطان يملك الكثير من الاحصنة.
4- الزي ( اللباس):
يس بالمكان تكوين فكرة واضحة حول زي اللباس عند الاوغوزولكن يجري الحديث عن ان رئيس البوز- اوق المدعو اوروز قوجه كان يرتدي عباءة فرو مصنوعة من فرو الماعز الذكر. لكن كلهم كانوا يرتدون في الشتاء البسة جلدية دون ارتداء الفراء المصنوع من جلد الماعز.
القلنسوة كانت تعتبر غطاء راس قومي للاتراك و حسب معلوماتنا فان لون القلنسوة فبما بين القرنين الثالث عشر و الرابع عشر كانت باللون الاحمر.
اما القلنسوة البيضاء فقد تم ارتداؤها في الاناضول في النصف الثاني من القرن الثالث عشر و لاول مرة من قبل محمد بك الذي هو من امراء الثغور في دنيزلي, و اصبح لبسها تقليدا متبعا فيما بعد.
اما عن العمامة فاننا على علم بان طغرل بك كان يضع على رأسه عمامة عندما جاء ال نيسابور في سنة 1038م, و لقد كانت العمامة التركية بالحجم الوسط و ثنيات جميلة تجلب الانتباه من حيث مظهرها الجميل, و لقد عرفت هذه العمامة في مصر على انها عمامة تركمانية.
اما الاحذية فكانت عبارة عن جزم طويلة العنق (أديك) و جزم قصيرة ( سكمان). الجزم القصيرة كانت تستخدم في محافظات مرعش, اضنة, عنتاب, و انطاكية حتى الى ما قبل 15- 20 سنة مضت.
عنق هذه الجزم كانت بطول 40 سم و هذه الجزم كانت بدون كعاب و بلون احمر او اصفر. و قد كانت النساء ايضا ترتدي هذه الجزم.
لقد كان طراز لباس الاتراك في القرن الخامس عشر و بضمنهم العثمانيين هو نفس طراز لباس اتراك- الجاغاتاي. اذ ان المؤرخ المصري ابن اياس يصف طراز لباس اتراك الاناضول بانها طراز تركماني .
سبق القول بان الاوغوز كانوا يطيلون شعورهم و بالمقابل يحلقون ذقونهم, و اول عمل قامت به المماليك الشراكسة التي دخلت في خدمة العثمانيين بعد فتح مصر هو حلق الذقن و ارتداء الزي التركماني ( العثماني) .
هذا واننا على علم بان بعض الامراء و الحكام في القرنين الرابع عشر و الخامس عشر كانوا يضعون حلقا ذهبيا على اذانهم مثل الامير يكنك ابن قازلق- قوجه المتصف بلقب " صاحب الاذن بحلق ذهبي".
5- المزاج و السلوك:
اما عن امزجة وسجايا الاوغوز فليس من السهل اعطاء احكام كاملة و نهائية على انه يمكن القول بان الاوغوز الذين عاشوا طراز حياة معينة و تأثيرات الشروط الصعبة للبيئة المحيطة بهم جعلتهم يكونون اناسا ذات امزجة قاسية لحد ما, و كونهم محاربين فهي تعد من ابرز فضائلهم وهم اناس شرفاء مستقيمين و كرماء محبون للضيوف.
الخبر السار كان يتم تداوله بهذه المقولة " بشراك و قر عينا ".
و حين الانتصار على الاعداء في الحروب كانوا يقومون باعتاق العبيد و يكتب المؤرخون بان السلطان محمد الفاتح كان قد اعتق 40000 عبد و جارية بعد انتصاره في مغركة اوتلوق- بلي.
كان الاوغوز يعبرون عن الذهول و الدهشة في معظم الاحوال بضرب يدهم باليد الاخرى. و التعبير الرئيسي لسلوك الحزن العميق عندهم هو البكاء... ففي حوادث الاسر و الموت تلف المعسكرات مأتم عميق, حيث يبكي الفرسان الشجعان بصوت مرتفع, و تنتف النساء شعورهن و تجرحن و جوههن باظافرهن و تخلعن احذيتهن من ارجلهن, انها واحدة من العادات و التقاليد التي لم تتغير بدءا من فترة الغوك- ترك و حتى السلالة العثمانية. فالبكاء كان يخفف العذاب الشديد الذي يشعرون به, البكاء في مثل هذه الحالات كان يعتبر ردة فعل طبيعية عند الاتراك , اذ ان العيب كان في عدم البكاء.
ان بكاء الرجال البواسل, اصحاب الطباع القاسية و لايام طويلة و خلع البستهم الحريرية و ارتداء لباس خارجي من اللباد بدلا عنها, بالاضافة الى بعض تقاليد المأتم الاخرى كانت تقابل من قبل طبفة المتعلمين في العالم الاسلامي بالحيرة و الاستغراب.
روح الجماعة كانت متأصلة في الاتراك طوال قرون من تاريخهم حيث كانوا يستقبلون الفرح و الحزن معا. انه لتعبير جميل لهذه الروح قول هاقان الغوك- ترك في القرن الثالث عشر: " لم أرتاح النهار و لم أنم الليل لأجل القوم التركي".
6- تعريف بالتوتماج:
توتماج هي اكلة تركية معروفة من قبل الجميع ( اي من الاقوام الغير تركية ايضا), جلبت هذه الاكلة من قبل الاوغوز و الاتراك الاخرين الى بلاد الشرق الادنى, و كانت قد عرفت من قبل الايرانيين و العرب ايضا. لدرجة انها نقلت الى كتب اللغات و بشكل رئيسي الى معاجم اللغة الفارسية و العربية.
روايات الكاشغري و ابو اسحاق عن تتماج يبين لنا بان طريقة تحضير و طبخ الاكلة بمواصفاتها العامة بقيت كما هي دون تغيير حتى وصلت الى ايامنا هذه و هي : العجين غلى شكل رقائق لكن يفتح سميكة قليلا ( حوالي 1,5 سم ), بعد و ضعها على الصاج و طبخها بشكل خفيف تقطع على شكل مثلث او معين و تسلق القطع الناتجة في ماء ساخن و تخلط مع العدس الاخضر المطبوخ و يضاف لها لبن مخلوط بالثوم, بعد الانتهاء من هذه الاعمال تصب عليها سمنة محمرة على النار و معها لحمة مفرومة ناعمة و يرش فوق السمنة هذه نعناع اخضر او يابس.
تتماج هذه و على مر التاريخ تذكر في كثير من المصادر على انها طعام قومي لكل الاتراك. اذ ان طغرل بك عندما قدمت له حلوى اللوز - لوزينا- في وليمة في خراسان قال معلقا : " انه تتماج لذيذ و لكن ينقصه الثوم" مع العلم ان هذه الاكلة كانت تزين موائد قصور سلاجقة تركيا و العثمانيين, و نعلم بانها تطبخ اليوم في معظم امكنة الاناضول.
لقد كان السلاطين و الامراء الاتراك يزينون الاماكن التي كانت تحت سيطرتهم بالجوامع و المدارس ( الكليات ) و المستشفيات و التكايا و الخانات على الطرق العامة الرئيسية, و الحمامات و الجسور, حيث لا يزال قسم كبير من هذه الاثار شاخصة بابصارها حتى يومنا هذا و شاهدة على الهمم الكبيرة و السعي الحثيث لاولئك العظماء الذين تركوا لنا هذه الماثر الخالدة. لكن السلاطين و الامراء الذين تركوا لنا هذه الماثر العظيمة , كانوا يسكنون ابنية متواضعة جدا لدرجة ان امكنة معظمها غير معروفة و اخريات زالت من الوجود و اصبحت اثرا بعد عين.