بايزيد الأول
(755 ـ 805هـ/1354 ـ 1403م)بايزيد الأول هو السلطان الرابع من سلاطين الدولة العثمانية، ويسميه المؤرخون
العرب أبايزيد، وقد حكم من 19 جمادى الثانية 791هـ/1388م إلى 28 ذي الحجة 804هـ/29 تموز 1402م. وهو ابن السلطان مراد الأول (761-791هـ/1360-1389م). وأمه هي غُول جيجك خاتون. عيّنه والده سنة 783هـ/1381م، حاكماً للمقاطعة التي أُخذت من إمارة كرميان (جرميان)، في آسيا الصغرى، صداقاً لزوجته سلطان خاتون، ابنة أمير كرميان. وغدا وهو في مركزه في كوتاهية، المسؤول عن المصالح العثمانية في الشرق. ولما دخل والده سنة 787هـ/1386م، في حرب مع أمير قرمانية أظهر بايزيد شجاعة واندفاعاً للقتال، مما أعطاه لقب يِلدِرْم أي البرق، ولما طُعِنَ مراد الأول طعنة مميتة في معركة «قوصوه»، التي خاضها في مواجهة الصرب، في 19 جمادى الثانية 791هـ/15 حزيران 1389م، طلب من أتباعه، وهو يُحتضر، أن ينصبوا ابنه البكر المقدام بايزيد سلطاناً بعده، وكانت أول خطوة خطاها السلطان بايزيد بعد تسلمه السلطنة، قتله لأخيه المتبقي يعقوب بحجة الحفاظ على وحدة الدولة، ومنع الانشقاق فيها. وغدا هذا الأمر، أي قتل السلاطين العثمانيين لإخوتهم، سنّة يتبعها كل سلطان عثماني عند تسلمه العرش. والخطوة الثانية، هي إنهاؤه معركة قوصوه لصالح العثمانيين، وعقد صلح مع الصرب ينهي الحرب الدائرة بينهما. واتفق مع ستيفان لازاروفيتش أمير الصرب الجديد، على أن تعلن الصرب ولاءها للدولة العثمانية، وأن تدفع للسلطان جزية سنوية مما تنتجه مناجم الفضة في بلاد الصرب، وأن يتزوج بايزيد أخت ستيفان لازاروفيتش «أوليفييرا»، وأن تقدم الصرب جيوشاً مساعدة له عند الحاجة. وقد بقي أمير الصرب وفياً لعهده هذا، وأسهم هو وجيشه إلى جانب بايزيد في معركتيه الكبيرتين «نيقوبوليس» في البلقان، و«أنقرة» في آسيا الصغرى
.والخطوة الثالثة لبايزيد كانت سيره على نهج والده وأجداده في الغزو، والفتوح، وتوسيع الامبراطورية العثمانية. وقد نشط في ميدانين رئيسين: ميدان شبه جزيرة البلقان، وميدان آسيا الصغرى (الأناضول). وكان يتنقل بين ميدان وآخر بسرعة وإقدام، وبحسب مايتطلبه الوضع العسكري في كل منهما
.ففي ميدان شبه جزيرة البلقان، استولى قادته على بلاد الصرب العليا الشهيرة بمناجم الفضة، حيث ظلَّ «فان برنكوفيتش» يقاوم التقدم العثماني. وسقطت في أيديهم مدينة «سكوبية» سنة 793هـ/1391م، وجعل منها قائد بايزيد، «باشا يغيت»، قاعدةً تركية لغزو البوسنة وألبانية. ولما رأى بايزيد نشاط البنادقة في شبه جزيرة المورة (البيلوبونيز)، وساحل ألبانية، وفي القسطنطينية، ومحاولة الهنغار توسيع نفوذهم في الأفلاق (فلاشية)، وبلغارية الدانوبية، أسرع فاستولى على «ترنوفو» في7 رمضان 795هـ/17 تموز 1393م، وأجبر قيصر البلغار «شيشمان» على الانسحاب إلى نيقوبوليس والاعتراف بالسيادة العثمانية. وأخذ منذ عام 792هـ/1390م يتدخل في شؤون الامبراطورية البيزنطية، التي لم يتبق لها من الممتلكات، سوى القسطنطينية، ومدينة سالونيك، وشبه جزيرة المورة. فأوصل في بادئ الأمر يوحنا السابع وهو أحد أبناء الامبراطور أندرونيقوس الرابع إلى العرش في27 ربيع الثاني 792هـ/14 نيسان 1390م بدل يوحنا الخامس باليولوغوس. ثم مالبث أن عزله ونصَّب مكانه ابن هذا الأخير، باسم مانوئيل الثاني في16 شوال 793هـ/16 أيلول 1391م. وقد أظهر هذا الامبراطور في البدء ولاءه للسلطان، ومشاركته له في الحملات التي شنّها في الأناضول، لكنه مالبث أن انقلب عليه، وطلب النجدة من البندقية، ومن أوربة الغربية. فقام بايزيد بالاستيلاء على مدينة سالونيك سنة 796هـ/1394م ودخلت جيوشه إلى شبه جزيرة المورة، وفي الوقت ذاته، أخضعت تلك الجيوش جنوبي ألبانية، وضغطت على ممتلكات البندقية عند سواحلها. وأتبع ذلك بضرب الحصار على مدينة القسطنطينية في 796هـ/ ربيع 1394م، الذي دام سبع سنوات. وفي 797هـ/1395م، اجتاح بايزيد هنغارية، وهاجم في طريقه عدداً من القلاع، وهزم الأفلاق، واجتاز الدانوب باتجاه نيقوبوليس، وقبض على قيصر البلغار شيشمان وأعدمه في 13 شعبان 797هـ/3 حزيران 1395م
.وتحالفت البندقية مع هنغارية سنة 796هـ/1394م، للوقوف في وجه ذلك التقدم العثماني الكاسح، الذي غدا يهدد إيطالية؛ وطلبتا النجدة من أوربة الغربية، بل إن الامبراطور البيزنطي ذهب بنفسه يستجديها العون. وأعلن البابا بونيفاس التاسع الحرب الصليبية على العثمانيين سنة 796هـ/1394م. وقامت حملة صليبية من اثني عشر ألف مقاتل تقريباً، اشترك فيها كبار نبلاء فرنسة، وفرسان القديس يوحنا في رودس، وطائفة التيوتون الألمان، وفرسان من بوهيمية وبولندة. وكان على رأس تلك الحملة سيغسموند ملك المجر، وأسرع بايزيد إلى البلقان، واشتبك مع الحملة قرب نيقوبوليس، وهزمها هزيمة ساحقة في 21 ذي الحجة 798هـ/25 أيلول 1396م، ووقعت زهرة فرسان أوربة في أسره
.وعلى أثر انتصار نيقوبوليس، غدا مصير البلقان والقسطنطينية في يده. فاجتاح قادته ستيرية، وهنغارية، وقاد بنفسه جيشه في بلاد اليونان، وتقدم عبر تسالية، وأخضع البيلوبونيز كلها، ونقل ثلاثين ألف يوناني إلى آسيا الصغرى، وأحل محلهم تركماناً وتتراً، وأقام لهم مستوطنات في لاكونية، ومسسينة وأرغوس، ثم أتم استيلاءه على أثينة في 799هـ/1397م، أما القسطنطينية المحاصرة، فلم ينجح المارشال الفرنسي بوسيكو
Boucicaut في فك الحصار عنها، واضطر امبراطورها أن يقبل بدفع جزية إلى بايزيد، وبالسماح للعثمانيين بإنشاء مسجد داخل اصطنبول، ومحلة يقيمون فيها وبتنصيب قاض مسلم يفصل بالخصومات بينهم. ولم يتمكن بايزيد من إتمام عمله في القسطنطينية، إذ استدعته الأوضاع العسكرية إلى الانتقال إلى ميدان آسيا الصغرى
.وفي ميدان آسيا الصغرى، كانت غزوات بايزيد موجهة، منذ استلامه السلطة، إلى الإمارات التركية فيها؛ إذ أخذ أمراؤها، الذين كانوا قد اعترفوا بتبعيتهم للسلطان مراد الأول، يثورون، فاسترد يعقوب الثاني زعيم الكرميان أملاكه، وكذلك فعل القرمانيون، والقاضي برهان الدين صاحب سيواس، بل تقدم هذا حتى اقترب من أنقرة. فبادر بايزيد إلى ضم إمارة كرميان، سنة 792هـ/1389-1390م وإمارات أخرى غربي آسيا الصغرى. وحاصر قونية عاصمة قرمانية، وتصدى لأمير قسطموني، وسيواس، واعترفت معظم الإمارات الصغيرة الأخرى بتبعيتها له. وبعد انتصاره في نيقوبوليس 798هـ/1396م، عاد إلى آسيا الصغرى، واستولى نهائياً على قرمانية، وأعدم أميرها، كما سيطر على إمارتي سيواس وقسطموني، ومد نفوذه إلى منطقة
الثغور الشامية، فسيطر على ألبستان وملطية وبهنسي وغيرها
.وطلب من الخليفة العباسي في القاهرة، أن يمنحه لقب سلطان الروم بصفته وريث دولة سلاجقة الروم
.وفي صيف 801هـ/1399م ظهر
تيمورلنك في شرقي الأناضول، وكان قد توسع في جورجية، وغربي قزوين، وتاخمت ممتلكاته ممتلكات آل عثمان. وأخذ يطالب، بصفته من ورثة جنكيزخان، بسيادته على جميع أمراء الأناضول من الترك والتتر الذين طردهم بايزيد من أراضيهم، وكانوا قد التجؤوا إليه وشجعوه على غزو بلاد الروم لرد ممالكهم إليهم، وكان بايزيد قد أعلن كذلك أنه وريث السلاجقة ومنح حمايته لقره يوسف (حاكم أذربيجان من أمراء القره قوينلو) و
أحمد شاه الجلائري من العراق وغيرهم من الأمراء الفارين من سيطرة تيمورلنك، وتحول التنافس السياسي والعسكري بين العاهلين إلى صدام مسلح، بعد عودة
تيمورلنك من غزو بلاد الشام، وذلك في موقعة جُبُك أوفازي قرب أنقرة في 27 ذي الحجة 804هـ/28 تموز 1402م. وكان عدد جنود
تيمورلنك يفوق عدد جنود بايزيد بعدة مرات، وتجهيزاتهم أفضل، وانضم الجنود الذين جندهم بايزيد من إمارات الغزو التركية إلى العدو وهزم بايزيد ووقع أسيراً في يد
تيمورلنك.وقد عامل تيمورلنك أسيره معاملة حسنة، إلا أنه بعد أن حاول الفرار من الأسر، شرع يقيده بالأغلال. واصطحبه معه في اكتساحه لبقية مدن آسيا الصغرى، وقد أركبه عربة محاطة بقضبان حديدية، مما دعا عدداً من المؤرخين إلى القول، إنه سجنه في قفص من حديد. ولم تطل حياة السلطان بايزيد بعد ذلك إذ مرض، ووافته المنية في
آمد شهر من مدن قرمانية، بعد ثمانية أشهر من معركة أنقرة. وأطلق تيمورلنك أسر ابنه موسى، وسمح له بحمل جثمان والده بايزيد إلى بروسة، حيث دفن في مقابر سلاطين آل عثمان
.واستعاد أمراء دويلات الغزو إماراتهم، وتقاسم أولاد بايزيد الأربعة، محمد، وعيسى، وموسى، وسليمان، مملكة والدهم، بعد اعترافهم بسيادة
تيمورلنك. أما الابن الخامس (مصطفى أو قاسم) فلم يُعرف مصيره. ولم تتمكن الدولة العثمانية من إعادة وحدتها إلا بعد حقبة من الاضطرابات والنزاعات بين الأخوة، دامت ما يزيد على عشر سنوات، وانتهت باستيلاء محمد الأول على الحكم سنة 816هـ/1413م
.أما تيمورلنك فهو كذلك لم يمهله الموت، إذ توفي في أطرار وهو في طريقه لغزو بلاد الصين في الفاتح من شباط 1405م
.