كتابات - عاصف سرت توركمان
ان تحجيب الاعداد الحقيقية للتركمان في العراق سوف لن يخدم مصلحة العراق لما تشغله هذه القومية من الاهمية الاستراتيجية والاقتصادية والاجتماعية في العراق .
ولو نظرنا بإمعان إلى مستقبل العراق وأخذنا بنظر الاعتبار المخاوف والأخطار المحيطة بها ما كان يجب استبعاد التركمان من السياسة العراقية . وعلى الصعيد التاريخي فأن التركمان من الشعوب العريقة التي دخلت العراق بدخول السومريين 3500 سنة ق. م . والسومريون هم من سلالة التاي التركية التي هاجرت من أواسط اسيا واستوطنت بلاد الرافدين ووضعوا اللبنات الأولى للحضارة الإنسانية . ويعتبر التركمان من السكان الأصليين في العراق الى جانب الاشوريين والعرب حيث عاشوا جنبا الى جنب في اخوة ووئام مع باقي الاقوام الاخرى واستمرت تدفق موجة السلالات التركية حيث سكنت مناطق مختلفة من العراق ، وما تعدد اللهجات التركمانية في العراق خير دليل على ذلك .
اٍن هجرة السومريين من أواسط أسيا الى العراق كانت بداية الحضارات العراقية الاولى والتي ذكرت في كتب التاريخ . وعند الرجوع الى ما ذكره أبو الغازي بهادرخان في شجرة الترك بان اصل الاتراك يرجع الى يافث بن نوح عليه السلام مما يؤكد عراقة هذا القوم وتفرع شعبه وفروعه ومدى عمق جذوره . ويؤكد هذا العمق الاستاذ عباس العزاوي في كتابه ( تاريخ العراق بين الاحتلالين ) بأن التركمان صنف من الاتراك خرجوا من بلاد تركستان فسكنوا خراسان ومنها بدأت هجراتهم وتفرقوا في البلاد وأنهم قبائل شتى تتكون من عشائر عديدة ولكل منها بطون وافخاذ لا تعد ولا تحصى . وبين المستشرق بارتولد مكان تواجد التركمان في كتابه ( تاريخ الترك في اسيا الوسطى ) بأنهم ثلاثة أقوام سكنوا الارض الممتدة من بحر الخزر الى حدود الصين وهم الغز، والقارلوق ، والطوقوز أو الاغوز وأن التركمان أسسوا أكبر امبراطوريتين في التاريخ وهما الامبراطورية السلجوقية والامبراطورية العثمانية .
وكان للامير باصلوخان التركماتي الذي تشرف بالدين الاسلامي في زمن الخليفة عمر بن الخطاب (رض) والذي حاز على مكانة رفيعة الدور الفعال في قبول التركمان الدين الإسلامي في العراق . هذا من ناحية ومن ناحية اخرى فان التركمان كانوا حماة العراق من الغزوات والاعتدأت الخارجية من الجهات الحدودية الاربعة ولا يستطيع أحد أنكار 2000 عائلة تركمانية أستوطنت البصرة في 54 هجرية عندما جلبهم القائد الاموي عبيد الله بن زياد . وكانت للعشائر التركمانية في منطقة بدرة في زمن الحجاج بن يوسف الثقفي الدور الاساسي في حماية الحدود الشرقية للعراق كما يجب ذكر دور التركمان في الخلافة العباسية حيث كانت زبدة قواتهم تتشكل من التركمان . ولا تزال صهيل جياد التركمان تسمع من بعيد واثار حوافرها باقية الى يومنا هذا في مدينة س امراء التي بنيت للقوات التركمانية التي لعبت دورا أساسيا في الخلافة العباسية .
أما من الناحية الاستراتيجية فأن التركمان يعيشون على الشريط الفاصل بين الاكراد والعرب ابتداء من الحدود الشمالية الغربية من تلعفرالى خانقين ومندلي والعزيزية من الحدود الجنوبية الشرقية من العراق متوزعين على محافظات الموصل وأربيل وكركوك وبغداد وصلاح الدين وديالى . وهذا معناه أن التركمان يشكلون حلقة الوصل الاستراتيجية ولهم الدور الفعال في ألادارة وحفظ التوازن الطبيعي للقوميات والطوائف العراقية . وهذا لا يعني أن التركمان قد انصهروا بين القوميتين ولكن بل العكس فانهم أصبحوا حلقة الوصل والتقارب بين هاتين القوميين فوجود التركمان الحتمي في هذه الاراضي السهلية والتلية أفضت طابعا آخرا الى المجتمع العراقي ولا أحد يستطيع انكار حقيقة حاجة العرب والاكراد الى التركمان وحاجة التركمان الى كليهما فان العلاقة بينهم كحاجة الانسان الى الماء حيث أن التركمان يشغلون حرف الالف في كلمة ( ماء) .
ولو نظرنا بامعان الى المناطق التركمانية نجد أن الاقتصاد العالمي يعتمد بالدرجة الاولى على هذه المنطقة حيث أغلب أراضيها خصبة وتزود المناطق الشمالية والجنوبية من العراق بالخضراوات والحبوب وأنواع الفاكهة حيث تعتبر قضاء تلعفر سلة غذاء العراق لما تشتهر هذه المنطقة بزراعة الحبوب . وكذلك نجد أن المناطق التركمانية هي من أغنى المناطق وذلك لوجود الذهب الاسود بين طبقاتها الارضية هذا اٍضافة الى وجود المعادن الاخرى وخاصة الكبريت والنحاس والغاز الطبيعي .
اٍن التركمان من الشعوب المحبة للسلام في العراق ويظهر حقيقة الكلام من خلال المظاليم التي تعرضوا لها أبان الحرب العالمية الاولى ولم يشهر التركمان السلاح بوجه الحكومات العراقية السابقة ايمانا منهم بوحدة الاراضي العراقية ووحدة الشعب العراقي . ولكن الحكومات السابقة تناست هذه القومية وحاولت صهرهم وتحجيب أعدادهم الحقيقية . واستمرت نهج الساسة السابقة بعد سقوط النظام حيث استبعد التركمان من المشاركة في ادارة العراق واستبعدوا من اشغال المقاعد الخاصة بهم في مجلس الحكم العراقي كمل تكررت نفس الاساليب بعدم ذكر التركمان كقومية أساسية ثالثة في قانون ادارة الدولة المؤقت حيث ظهر الاجحاف بصورة واضحة . ولكن تمسك التركمان بوطنيتهم وولائهم لتربة العراق زادتهم ايمانا بقضيتهم العادلة وسيستمر التركمان بنظالهم العادل وباستخدام الطرق السلمية والديمقراطية الى أن تنال الحقوق المشروعة .
لقد أظهر المؤتمر التركماني الثالث الذي عقد في كركوك في 13- 15 من شهر أيلول عام 2003م بوادر حقيقة الانفجار السكاني للتركمان في العراق بالرغم من تعرضها الى سياسات التعريب القسرية في عهد النظام الزائل وما تتعرض المناطق التركمانية حاليا الى سياسات اخرى لطمس الهوية القومية واخفاء الحقائق عن نسبة تواجدهم في العراق . وشارك في المؤتمر أيضا العشائر التركمانية التي أجبرتها سياسات التعريب الى فقدان هويتها طوال ثمانية عقود ونيف وأزالت الغطاء المفروض عليها بزوال النظام البائد وقد أرسلت هذه العشائر وفودها من ديالى وواسط للمشاركة في مؤتمرهم .
لقد دأب ذوي الاعتبارات الشوفينية والطامعين في الثروات النفطية التي تتواجد بغزارة في المناطق التركمانية لتحريف الحقائق وتشويه تاريخ تواجد التركمان في العراق ، ومنهم من ادعى أن فترة تواجد التركمان لا يتجاوز القرن ومنهم من يرجع قدومهم الى العراق مع الامبراطورية العثمانية وأن التركمان هم من البقايا العثمانية وجلب بهم لحماية الطريق بين بغداد والموصل . وللرد على هذه الافتراءات والمغالطات يمكن القول بأن حقيقة بداية تاريخ دخول التركمان الى العراق يتزامن مع دخول السومريين الذين ينتمون الى الاصول التركية التي هاجرت من آواسط أسيا الموطن الاصلي للتركمان . وبعدها تتابعت هجرة القبائل التركمانية المستمرة والتي تفاوتت في أعدادها وسكنت العراق من الشمال الى الجنوب ولكن بمرور الزمن انحصر تواجد التركمان في مناطقهم الحالية والتي تتوزع على المحافظات العراقية الست ة ( الموصل وأربيل وكركوك وبغداد وصلاح الدين وديالى ) .