.
تركستان الكبرى ماضيها وحاضرها
محمد قاسم أمين
هذه نص المحاضرة التي ألقاها المؤرخ والأديب الأستاذ محمد قاسم أمين تركستاني في نادى مكة الثقافي الأدبي في 1 / 2 / 1414 ـ هـ
الحمد لله نحمده و نستعينه . نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادية له وانه القائل إنا خلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم . اللهم اجعلنا من عبادك المتقين وأصلي و أسلم على خاتم أنبيائه وجميع رسله وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ومن دعا بدعوته والذين تواصوا بالحق وتواصوا بالصبر.
سيدي معالي الدكتور راشد بن راجح مدير جامعة أم القرى ورئيس نادي مكة الثقافي وسعادة مدير النادي وأساتذتي الدكاترة واخوتي الحضور . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
يا معالي الدكتور راشد والدكاترة والأخوات الحضور لعلي لا أقف أمامكم وعلى هذا المنبر الأكاديمي المضيف ولا أستحقه إلا من كريم فضائلكم وجميل تواضعكم وسماحتكم الكريمة ، واستسمحكم عذرا إذا قلت خطأ أو غلطت أو نسيت. حيث أن الإنسان لا يسلم من خطأ والكمال لله وحده . والله من وراء القصد ، موضوعنا اليوم تحت عنوان ( تركستان الكبرى ماضيها و حاضرها ).
تركستان كلمة تناقلتها الصحف وتناولتها الإذاعات وألف فيها مئات الكتب والدواوين بلغات شتى منذ عهد النهضة الحديثة منذ ما يقرب من مائتي سنة وفي عهد التلفاز عرضت علينا كثير من المحطات التليفزيونية في الشرق و الغرب موقع هذا البلد المعطاء المسلم عبر أحداثها ومحنهاوتراثها وثقافتها ومن بها وما عليها وما علينا لها . من حقوق و واجبات . وقد عرض تليفزيون المملكة يوم الثلاثاء الفائت برنامج ( الفروسية والزمن ) عن مظاهر الحيات القومية في تاجكستان من إخراج وتقديم الدكتور محي الدين مندور وأنا في هذا المنبر أشكر لمقام وزارة الإعلام السعودي ولوزيرنا الملهم الأستاذ علي الشاعر وقبله معالي الدكتور محمد عبده يماني في تقديم تركستان ككل أرضا وشعبا علما وحضارة وثقافة وتاريخيا . وبالتالي أشكر الأستاذة أصحاب الفكر والقلم رؤساء الصحف والمجلات والنشرات في سائر مناطق المملكة حيث كثفت وتكثف البحوث والمقالات حيال تركستان الكبرى التي مل تحظى بلد قط بمثل ما حظيت به تركستان أمةذات حضارةوتاريخ مجيد .وقد أخذت تركستان من مآثر الإسلام الكثير الكثير وخدمت تركستان أو قدمت تركستان خدمات جليلة للإسلام والمسلمين على سائر أقطار الأرض ونحن إذ نقول : تركستان نعني بلدا عريقا ذو حضارة و نماء في تاريخ البشرية كلها عبر آلاف السنين بل نعنى بالتركستان بلدا ذو مساحة واسعة شاسعة الأطراف إذ تبلغ مساحتها الإجمالية من شرقها إلى غربها ما يقارب ستة ملايين كيلومترا مربعا من الأراضي الخصبة المعطاءة تحفها الجبال والرماد والوديان ومنخفضات جهلت الإنسانية عن كنهها حتى الآن . وبها صحارى قاحلة لا حدود لها وبرارى ذات آكام من رمال متحركة وجنان وارفة الظلال و واحات تمتد إلى المئات من الكيلومترات طولا وعرضا في مناطق متعددة وإذا تكلم شخص ما عن تقليص الواحات في الصين و روسيا فهي في تركستان الكبرى ولها خصائص فطرية وحضارية لم يحض بلد بمثلها قط من قبل طريق الحرير وكهوف ألف منزل ومنزل وسراديب أرضية تجري فيها الأنهار من آبار ارتوازية تسقى بلدانا ومناطق زراعية شاسعة في منطقة تورفان ، بجانب آثار ثقافية قديمة من بقايا مدن بأكملها مثل حاضرة إديقوت بالقرب من منطقة لوب نور .. ولم ترو بلد من البلدان بمياه وأنهار تفوق الخيال مثل تركستان حيث أن منطقة تركستان الكبرى بجبالها الراسيات مستودعات الثلوج مخازن الماء العذب لقارة آسياالشرق كله .
ونحن إذ نقول ترك أو تورك بالراء بعد التاء نعنى بذلك الأقوام المميزة عرقا وسلالة من سائر الشعوب الناطقة في قارة آسيا وكلمة ترك أو تورك هي الأصح اسم لهم يشمل لأقوام الهون قديما ومغول وأويغور وتتار وتاجيك وقازاق وقيرغز وأزبك وغيرهم شعوبا وقبائل تنتمي عرقا وسلالة ولغة لعائلة آلتاي تنتسب إلى سام بن نوح عليه الصلاة والسلام وكلمة ترك لغة تقابل ( العماد ) في اللغة العربية ، ولعل أول من أقسم بالترك أحد أبناء ملوك الهون قبل التاريخ وأن منطقة آلتاي منطقة جبلية تمتد من سهول ومرتفعات سيبيريا غربا إلى سواحل الهر الأصفر شرقا وهي مهد الأتراك منذ الأزل حيث لم تذكر كتب التاريخ قديما وحديثا عن وجود أقوام في المنطقة قبل الأتراك إطلاقا (1) وإذا راجعنا لمراجع موثوقة للقرن الحادي عشر الميلادي نرى العلامة محمود الكاشغري اللغوي يقول في كتابه القيم المسمى بـ ( ديوان لغات الترك ) (2) إن تركستان الكبرى يحدها غربا البحر الأسود وشرقا النهر الأصفر وشمالا سهول ومرتفعات سيبيريا وجنوبا شبه جزيرة الهند ويشمل خراسان وبلاد الأفغان ووادي كشمير وجبال بامير وسهل بدخشان وهي من منابع عامودريا ( السيحون ) قديما وتسمى روافدها العليا بـ زرفشان في جمهورية تاجكستان الآن وتضم قسما منها جمهورية أفغانستان الإسلامية .
وذهب العلامة محمد أمين بوغرا إلى أبعد من ذلك مستقاة أقواله من مصادر وصفها بالثقة والاعتماد (3) ونحن في هذه العجالة نكتفي بما قلناه آنفا من حيث اتساع منطقة تركستان الكبرى . بل نرجع القهقرى إلى الحدود الدولية المعروفة الآن ولو أن هناك ما يثير الانتباه من حيث توسع العمدي من قبل بعض جاراتنا سابقا ، على غرار زيد أخو عمرو لو ضرب أو ضرب وتركستان الكبرى منا والينا جميعا .
وكان أتراك الهون والمغول والأويغوريون والأخيرة بكل فصائلها وقبائلها يعيشون عيشة بدائية مثلهم مثل أهل البوادي في الجزيرة العربية منذ أمد بعيد ولكنهم عاشوا حسب تطور البيئة في أنماط الحياة البشرية قسمها علم التاريخ إلى قسمين أساسيين الأول عهود ما قبل التاريخ والثانية عهود ما بعد التاريخ وأما الأولى قسمها إلى ثلاثة أقسام رئيسية وهي العهد الحجري البدائي والعهد الحجري المنحوت ثم العهد المعدني أو كما اصطلح به علماء التاريخ وأنتم أعلم الناس بذلك . وقد عثر علماء الآثار على مكامنة أثرية في أكثر من منطقة في أراضي تركستان الكبرى شرقا وغربا .
وعلى حسب تقديرهم أعمار تلكم الآثار قالوا إن عمر بعضها يرجع إلى 9000 سنة قبل التاريخ ( المصدر السابق للسيد محمد أمين بوغرا ) .
ويقول الفقيه العلامة المجاهد السيد محمد أمين بوغرا في وصف مختلف المناطق الأهلة بالسكان في عموم تركستان الكبرى وخاصة في حوض تاريم وجونجار في منطقة تركستان الشرقية إن هذه المنخفضات تاريم وجونجار كانت بحارا كسائر الأحواض الموجودة حتى الآن في أطراف و وسط منطقة آسيا الوسطى وكانت سواحلها مدنا ذات حضارة وذلك قيل عشرة آلاف سنة تقريبا وعلى تخمين علماء الجيولوجيا الأجانب ، ولم تكن الكهوف والمنازل المحفورة أو المنحوتة إلا قصورا وأماكن اصطياف للملوك والسلاطين (4) وأكثر الآثار المستخرجة حتى الآن نتيجة حفريات الجيولوجيين في المنطقة المصنوعات الخزفية من أوان وأدوات الزينة والخواتم وخلاخل كانت تستعملها النساء وازيار ومواعين الزيت والحبوب يرجع تاريخها إلى أكثر من عشرة آلاف سنة قبل الميلاد (5) .
ويقول الأستاذ محمد أمين بوغرا في كتابه القيم في باب تركستان والتركستانيون في عهد المعادن . إن صحراء جوبى وتكلماكان وقزوين قوم وقراقوم من الأماكن التي لا يمكن الحياة فيها لكائن حي إطلاقا في الوقت الحاضر بينما كانت تلك المناطق في العهود القديمة آهلة بالسكان ذات مدنية وحضارة حيث أن الأرضلوكيين من مختلف الجنسيات من الغرب اكتشفوا الآثار القيمة التي تنبئ بوجود حضارة متقدمة وذلك عندما اكتشفوا بقايا قصور منيعة وقلاع حصينة وأدوات الزراعة والرى وبلدان مطمورة وقرى مهدمة وجداول الماء ومجارى الأنهار المصطفة وقد قننوا الرى والصرف وبنوا أحواضا لحفظ الماء العذب وكذلك وجدوا في منطقة آسيا الوسطى أدوات مصنوعة من الفخار والحديد والبرونز والنحاس وحديد الزهر يعود تاريخها 9000 سنة قبل الميلاد (6) .
ويقول العلامة القطب السيد محمد أمين بوغرا في كتابه آنف الذكر أيضا أن بعثة أرضلوكية عملت حفريات عديدة في المناطق الواقعة شرقا من بحر قزوين إلى مشارف مدينة عشق آباد ومروا بحثا عن الآثار القديمة ثم حصلت في منطقة آجو آثارا ذو حضارة عريقة جدا وذو قيمة علمية يرجع تاريخها إلى أحدى عشر ألف سنة قبل التاريخ ولكن العلامة السيد محمد أمين بوغرا لم يذكر تاريخ هذه البعثة بينما قال يرأسها مستر pompeluy لعل الأستاذ يفرض فومنى عبد الفتاح إيراني الأصل مؤلف تاريخ جيلان 1517 ـ 1627 ويقول ثم عرضت هذه الآثار لعالم أثري أمريكي قال فيها أن منطقة آسيا الوسطى سبقت بعهد المعادن قبل الآخرين بألف عام تقريبا (7) .
ونحن إذا تتبعنا آراء المؤرخين والمستشرقين والارضلوكيين نجد منطقة آسيا الوسطى هي العمود الفقري لقارة آسيا كلها بما فيها منطقة اوربا التي هي جزء من آسيا وإنما سميت قارة على اصطلاح الجغرافيين ونجدها مهد الآراميين من ولد سام بن نوح حيث يكاد يجمع المؤرخون وعلماء علم الأجناس بأن منطقة آلتاي مهد الترك أولا ثم إنها المهد لحضارة سادت ثم بارت منذ آلاف السنين . وباعتبار أنها مهد الترك قديما وحديثا نرى أنماطا مشابهة لسمات عائلة آلتاي العرقية يعيش أقوام منهم على سواحل بحر الصين جنوب شرق آسيا وغربها على ألوف الجزر في جاوا وبلاد الفلبين بسماتهم المعروفة عرقا وشكلا وهي الوجوه المستديرة وأنوف أقرب إلى الفطس ذو مناكب عريضة وعضلات مفتولة تميل إلى البياض أكثر من السمرة وفي نبرات صوتهم الخشونة وترى الصمود في إرادتهم وكذلك ترى قسمات وجوه النساء منهم أقرب إلى رجالهن يحملون أسماء تركية حتى الآن .
لم تكن حضارة تلكم الأقطار النائية منذ ظهورها على الملا قاصرة على جانب أو اثنين من التطور البيئي البطيء أو المطرد وإنما هي شملت مختلف أوجه الحياة الفطرية والمكتسبة التي تحتاج إلى عقل وأفكار وائتلاف بعضهم ببعض بقصد النيل لعيش ميسور وغد أفضل من أسس بعمل دؤوب وشموخ إرادة وأحكام التصميم . نرى فى قراهم ومنازلهم القديمة آثار مدنية شاملة من صيد وزراعة وصناعة وتعدين حيث ترى من الجبال بيوتا نحتوها وكهوفا تحت الأرض زينوها وأراضي مستصلحة زرعوها وأخاديد في الأرض شقوها بحثا عن المعادن فيها الحديد والذهب والفضة والنحاس والرصاص والفحم الحجري العائدى وقد شقوا باطن الأرض أميالا وجعلوها وهادا ككهوف واسعة الأطراف وإنما هي سراديب ضخمة هائلة : هنا وهناك وقد أفرغت محتوياتها من المعادن منذ أقدم الأزمنة والمغابر من الأيام الخالية .
ومنذ أن اكتشف الإنسان النار فتحت له آفاق واسعة حيث عرف الإنسان استخدام النار بوسائل شتى ومعارب لا حصر لها . ويقول بعض علماء علم الأجناس أن أقوام المغول أو الهون قديما المنتمية إلى عائلة آلتاي العرقية هم الذين اكتشفوا النار في العهد الحجري المنحوت حيث استبرقت شرارة من جراء ضرب الحجر بحجر فقننوها ومن هذا المنطلق منطلق اكتشاف النار وانفتاح الآفاق أمامهم من مادة النار صاروا يعظمونها بل عبدوها دون غيرها من الأجسام والأجرام وبالتالي عظموا الموقد أيا كانت حتى اصطلحوا باستعمال كلمة موقد لمجمع عرقهم وسلالتهم ولغتهم ولأنسابهم ولتواريخهم بمثلما استعملت العرب المنازل والحنين لها وعليها وقد تغنى العرب للمنازل وموارد الماء وعظموها أبا عن جد حتى يومنا هذا (
. بينما كانت الشعوب البدائية في العالم آنذاك يعيشون في الكهوف والغارات وتحت الأشجار والأخاديد الأرضية وداخل جذوع الأشجار في الغابات النائية كانت الأتراك قد تمدنوا وبنوالهم بيوتهم من اللبن والحجارة ومن جذوع الأشجار ولم يذكر التاريخ أن الترك كانوا يسكنون الكهوف والغارات مثل غيرهم من الشعوب إلا أن أقواما من قبائل قرغيز وقازاق كانت لهم مخيمات وعلى طراز مميز وهي إحدى معالمهم التاريخية والثقافية ونزعتهم القومية المتفاخرة بها حتى الآن حيث تكلف الخيمة الواحدة منها بألوف الدنانير ولا يمتلكها فى الوقت الحاضر إلا النبلاء وسلالات الأشراف منهم وقد تكونت عندهم مايشبه الحكم أوالامارة فى الاسرة ثم فى الجماعة الواحدة ثم فى مججوعات ولهم نظمهم وعاداتهم وتقاليدهم وبرغم ذلك كانت البداءة تغلب طباعهم يستحوزون وديانا وسهولا ذات ماء وعشب يرعوا فيها مواشيهم وكانوا ويسمحون لمن يستجيرهم بالرعى والسقيا ويحتفظون حقوق القنص والغنم فى الغزوات لانفسهم دون المستجير إلا اذا تصاهروا معهم وخاضوا المعارك لسلب ونهب حيث أن اكثر اقوام الترك فى اسيا الوسطى ومنغوليا ومرتفعات سيبريا كانوا يعيشون عيشة البدو الرحل حيث العشب والكلأ وكانت سواحل الأنهار ومساقط المياه في سائر الوديان والسهول مزدحمة بالسكان فأنشأوا هناك خانات وإمارات تعاون بعضهم بعضا وتغير بعضهم على بعض لاتفه الأسباب ولأجل هذا تكونت بل تفرقت قبائل الترك إلى أكثر من ثلاثين قبيلة . ذكر العلامة محمود حسين الكاشغري في كتابه ( ديوان لغات الترك ) عشرين قبيلة بأسمائها . ونتيجة بحث واستقصاء حصلنا على أسماء جميع القبائل المتعارف عليها منذ أمد بعيد (9).
وأما القبائل التي تسموا بـ اويغور أو اوغوز أو توقوز اوغوز تعنى الإيلاف كإيلاف قريش من قبائل وفصائل متباينة في عهد نضر بن كنانة الجد العاشر للنبي صلى الله عليه وسلم . وقيل في عهد فهر بن مالك . قال بن إسحاق إنما سميت قريش قريشا لتجمعها بعد تفرقها (10) . ويقول علامة السيد محمد أمين بوغرا أن أتراك آسيا تعرضوا بعدة صراعات دموية فيما بينهم وكذلك الهون قديما والمغول منهم . تعرضوا في حوالي الألف التاسع قبل الميلاد للجفاف من جراء انحسار بعض الأنهار وذوبان الثلوج المخزونة وهدر بعضها في غير موسم الزراعة وانحسار بعض الأحواض الكبيرة حيث أن بلاد الترك تشتمل على العشرات من البحيرات البرية مثل بحيرة بايقال في الشرق من منغوليا بحيرة بالقاش في قازاقستان وبحيرة باغراش في حوض تاريم بالقرب من مدينة كورلا وبحيرة سايرام في ولاية ايلى وبحر آرال وبحر قزوين وأصغر هذه البحار بحيرة اسق كول في قرغزستان وبحيرة بوغدا على الشرق من مدينة ارومجى العاصمة للتركستان الشرقية الآن . فبحيرة اسق كول تعني الحوض الساخن وهي الأصغر حجما بعد بحيرة بوغدا . إذ تبلغ مساحة اسق كول في مائتين وسبعين كيلوا مترا طولا وثمانين كيلوا مترا في العرض في الوقت الحاضر ولم تزل تنحسر مياه هذه البحيرات سنة بعد أخرى وقس على ذلك منخفض تاريم وجونجار وقد جفت منذ آلاف السنين ومساحة كل منهما تزيد عن خمسمائة كيلوا مترا مربعا وقد علت على حوض تاريم كثبان الرمال العاتية وانقلبت إلى صحراء قاحلة جرداء وتعلوا بعض الكثبان الرملية المتحركة إلى أربعين مترا تعوق غشيان أي كائن حي إليها ولو كانت شاحنات عملاقة مما إنتجتها التكنلوجيا الحديثة وقد أسهبنا في وصفها في مقالى سابق سوف تنشر أو نشرته إحدى جرائدنا المحلية في المملكة في هذا الشهر .
ومن جراء تقلبات الجو والأعاصير المدمرة والسيول الجارفة والفيضانات أحيانا ونقص الحاصلات الزراعية ونقف الأغنام والمواشي وزحف التربة إلى الوهاد العميقة والشتاء القارس والصيف اللاهب قد صعب العيش فيها حينا من الدهر في الألف التاسع قبل الميلاد وبسبب ذلك ظهر في الأوساط المحلية في السكان السلب والنهب وسادت فيها شريعة الغاب فاندثرت عقود المجمعات البيئية وأصبح العيش للغالب منهم وللضعيف الهلاك والدمار فقامت جماعات وأفواج من الأويغور إلى الهجرة إلى مناطق أخرى من العالم شرقا وغربا وشمالا وجنوبا فاصطدمت الجموع المهاجرة بأقوام غربية عنها في عقر دارهم واستولوا عليها أو استباحوا حلا لهم أو استجاروا عليهم ليعيشوا معهم لما لهم وما عليهم من حقوق وواجبات فوصلوا إلى بلاد قفجان في بلاد الأفغان وإلى إيران الفرس وإلى الهند وأوربا وإلى الصين وكشمير وبلادا كثيرة غيرها . ومن هذا الأفواج المهاجرة الأوار الذين استوطنوا في بلاد الرافدين ولعل الأوار ـ أجداد أمة الأكراد في الوقت الحاضر والتتار منهم حيث عاشوا على مرتفعات وسهول جبال أورال . وللتركستان الكبرى بحيرة كبيرة في أذبكستان باسم أورال تصف فيها كل من نهر جيحون وسيحون وفي تركستان الشرقية الآن أكثر من عشر بحيرات مالحة تعتبر إحدى روافد الدخل القومي لوفرة أنواع مختلفة من فصائل السمك اللاحمة .
ونحن تكلمنا سابقا عن الهجرة الجماعية من سهول آسيا شرقا وغربا من جموع الترك العرقية الفضائل إلا أن بعضهم بالرغم من المهلكات وبوار الممتلكات وصعوبة الحياة لم يبرحوا منازلهم وصبروا عليها صبر المستميت وبعد تهدئة الحال بعد المئات من السنين تحسنت أحوالهم فتكونت هناك حكومات ودولا عرفت بأسماءها المختلفة وعلى وحدات القبائل العرقية والقومية والدينية ردها من الزمان . حيث غزتها مختلف الديانات الوضعية بخرافاتها وهمجيتها أو انحلالها منها الشامانية والمانوية والبوذية والأخيرة تغلغلت إلى أبعد الحدود والسدود من سهول ووديان آسيا بما فيها الصين شرقا ومنطقة بخارى وخراسان غربا وإن أكثرية الإبنية القديمة ذات هندسة برجوازية حالمة ترجع انتماآتها إلى الديانة البوذية في بخارى وقيل إن اسم بخارى مأخوذة من اسم إحدى تلكم الدور التعبدية للديانة البوذية كانت شهيرة بـ ( بخارا ) بالألف وبخارى بالياء لغة ـ ولكنها عديمة المعنى من الأسماء الجامدة (11) .
نأتى إلىكلمة أويغور ثانية فنقول إنها كلمة جامعة واسم سياسي تشتمل على معظم القبائل التركية . منهم فصائل أزبك وكذلك كلمة ارفوز تعني الأبناء تقابلها باللغة العربية كلمة ابن فلان فيقول أتراك الشرق لبعض تجمعاتهم توقوز أغوز تعني اتحاد تسعة من قبائل الترك . فعلى هذا تكونت هناك عدة دويلات في الشرق والغرب (12) .
وقد اتصفت بعضهم أو عرفت بالألوان حيث تقول ( سريق أويغورلار ) و ( قارا أويغورلار ) و ( آق أويغورلار ) تعني أويغور الأصفر والأبيض والأسود وإن أكثر سكان منشوريا من أصل أويغورى وخليط من فصائل الهون والمغول . والصين ولكن نسبة الصينيين أقل بالنسبة للآخرين منهم سلالة مان آخر ملوك الصين التي حكمت لأكثر من أربعة قرون والتي انقرضت بقيام نظام الجمهورية في الصين سنة 1911 م .
وكانت دول وخاقان الأويغور معرضة لهجوم جيرانها من الشرق والغرب من هم الصينيون والفرس وأقوام الهون قبل وبعد التاريخ وقد انضوت مرارا وتكرارا تحت مظلة الهون واتحدت معها . بالرغم من وجود دول بأكملها في سهول آسيا الوسطى ومنخفض تاريم وجونجار وقد انكسر ومل تقم أنذاك قائمة لسلالة المغول (13) .
وبهذه المناسبة نذكر بعض حكومات ودول الأيغور الترك في آسيا الوسطى للمثال لا الحصر.
أولا : قامت هناك دولتان أويغوريتان قسمت احديها (آل ابلتر) والثانية (كول أركن) وإن مختلف الروايات الفارسية والصينية تقول أنهما قامتا بعناصر قبائل باسميل العرقية حيث كانت هذه السلالة متقدمة على غيرها من حيث لياقتها للحكم والإدارة ملمة بأمور الراعي والرعية ونظم التجارة والمال والاقتصاد ثم اتحدتا في دولة واحدة وكانت الأولى تكونت عن تجمع عشرة من القبائل العرقية والثانية بتسعة منها فأصبحت الدولة الموحدة تشمل في سلطانها تسعة عشر من قبائل الترك العرقية ولكن هذا الاتحاد كان بصفة كونفدرالية تحكم نفسها بنفسها متساويتان في الحقوق والواجبات وكانت الولاية ارثا لأبناء الأسرة المالكة دون الأثاث . وأما بالنسبة للشؤون العسكرية والحرب والاتفاقات الدولية والصلح أو التفاوض وقرارات الحرب والسلم والشؤون الخارجية تحسم وتقرر بمعية الطرفين كوحدة متماسكة (14) .
غير أن هذه الوحدة لم تدم طويلا وانفرطت عقدها لأسباب لا نعلمها ولم يذكرها المؤرخون وبالتالي لم يحددوا تاريخ هذا الاتحاد والانفصال وما حكمها وما هي أسبابها ولكن المؤكد تاريخيا بأن مدينة كاشغر كانت عاصمة هذه الدولة المتحدة وتسمى ملكها بـ ( قاراخان ) وكان الأويغوريون أتراك الشرق يحبون اللون الأسود ويعظمونه مثلهم مثل العباسيين الذين ليسوا الأسود أو تعموا بالسواد فكلمة قارا أسود وخان الملك غير أن دولة القاراخانيين كوحدة متماسكة أو كونفدرالية عاشت قرونا عدة بعد أن هزمها أقوام الهون الترك قديما وتوغلوا إلى وديان وادي تاريم وجونجار وسهول آسيا حيث استغلوها كمصدر رزق بالمحصولات الزراعية وكاستراحات موسمية لجنودهم ومشتى ومصيفا لملوكهم وجنرالاتهم وقوادهم وكمرعى لخيولهم . وساحات قنص وتدريب للكوادر منهم ردها من الزمن (15) . حتى قامت قائمة القاراخانيين مرة أخرى في أواخر القرن الثامن الميلادي بعد انقراض دولة الساسانيين المشترك بين الأويغور أتراك الشرق وبين الفرس (16) ومن ملوكهما أفراسياف الذي بنا مدينتي بخارى وكاشغر واتخذ خراسان عاصمة لملكه وذلك في القرن الخامس الميلادي وإن غزوة مهلب بن أبى صفرة سنة 86 هجري الموافق 605 م كانت في عهد كولتكن خان وهو الذي كان يقاوم غزاة العرب المسلمين في بلاد ما وراء النهر أنذاك وقد انقرضت دولة الساسانيين بنهاية انوشروان . ومن دول وحكومات الأيغور الترك ( كوكترك لار ) ومن ملكها بوقا خان وقبلهما دولة يفتل ومن ملوكها جوجان خان . وفي فترة ما انقسمت دولة ( كوكترك لار ) إلى قسمين أو إلى دولتين توركش وقوتلوق . ثم انقسمت الدولتان إلى خمس دويلات صغيرة ومن ملوكهم كولتكن خان ، إيلش خان ، تركش خان ، اوج الة خان , باناتورخان .
أقوام الهون والصين
لم تكن لكليهما دولة موحدة متماسكة حتى القرن الخامس قبل الميلاد بينما كانت للهون شكيمة ومنعة في سهول سيبيريا وبلاد المغول حتى سواحل البحر ومنشوريا . كانت الصين منقسمة على نفسها لم تجمعهم جامعة وكان بها العشرات من الحكومات المحلية مستضعفة بعضها لبعض وقد عرف الهونيون الترك أن السهل الصيني في الجنوب من النهر الأصفر أخصب أرضا وأكثر نماء وفي منخفضاتها الخير وفي أهاليها الذل والفقر والاستكانة . فاقبلوا إليها بخلاف مصطلح الجغرافيين الآن من على مرتفعات سيبيريا من الشمال إلى الجنوب فيقول قائلهم ليمينه وهو المشرق شمالا أو يسارا وإلى الغرب يمينا ولدولة الهون آنذاك قبل التاريخ بمائتي عام قلب وجناحان فيقول لجناح الشرق سول بيلكة خان . والجناح الغربي اونك بيلكة خان ومن أبرز ملوكهم أوغوزخان تذكره الحوليات الصينية بـ مته خان ولأوغوز هذا جولات مدمرة هالكة في غزواته لسهول الصين وأراضيها الخصبة ففكرت إحدى حكومات الصين في بناء سد يمنع الهون الترك من هجماتها على الصين وذلك قبل خمسة مائة عام قبل التاريخ على امتداد أكثر من ثلاثة آلاف وخمسة مائة كيلو مترا من الشرق إلى الغرب ولكن هذا المشروع العملاق يتطلب مبالغ هائلة جدا فاختصرتها ببناء نقاط حساسة على الوديان السالكة والتقاء مشارف الجبال فلم تتمها متصلة متماسكة غير أن هذا البناء المتقطع لم يف بالغرض ولم تسلم الصين من هجمات الهون الترك حتى سنة 216 قبل الميلاد وعندها قد توحدت في الصين دويلات وحكومات تحت قيادة أسرة خه ن . فأعادت بناء السد متصلة متماسكة استغرق بنائه خمسة عشر عاما بعد أن سخرت فيه أكثر من مليون وخمسة مائة ألف عامل وعاملة يجلبون إليه التراب المتماسكها من على ضفاف النهر الأصفر مثل تربة الأجور الأحمر في المملكة ـ بلاد الشرق ـ وكانوا يكبسون جثث موتاهم في البناء نفسه كحقنة من التراب . يطول ذكر تفاصيلها في هذه العجالة وقد شاهدتم أفلاما ترون السد وقد أصبح من أعظم عجائب الدنيا طولا وضخامة .
انسحبت سلالة القاراخانيين إلى مرتفعات سيبيريا عندما داهمت جحافل الهون البلاد . فاتخذت تلال جبال أورال الجنوبية مقرا لبلاطهم وسموها بـ ( التون أوردا ) البلاط الذهبي كحكومة المنفى وكانت محظوظة الأسرة الدولية .
الهون وأباطرتهم التاريخية
ولدى سقوط دويلات تركش واخوتها استعادت هيبتها ونجحت حتى قامت لها القائمة فىالقرن تاسع الميلادى . إن اباطرة الهون كثيرة وتعددة ولكن التاريخ أبرز ثلاث شخصيات منهم وأولهم أوغوزخان ،ثم آتيلا.ثم آفراسباب .وأما اوغوزخان نجح فى تأسيس إمبراطورية عظيمة في الشرق وبقيت الصين تحت تأثيرها ردها من الزمن وكانت تعتبر الصينيين عبيدا يجب أن يكونوا تحت سلطانها مهما كلفها الأمر . وفى كثير من معاركه الفاصلة داهمت جيوش الهون إلى عقر دار الصين حتى وصلت إلى ضفاف نهر جنجيانج العظيم وشريان الحياة كلها والعامود الفقري لكل الحضارات البائدة والسائدة في الصين والجدير بالذكر أن روافد النهرين العظيمين في الصين ومنابعهما في أرض الأتراك وجبالهم الراسيات مثل مرتفعات وسلسلة كيونلون وبامير وخانتنري وجبال آلتاي وتبلغ امتداد مجرى النهرين الأصفر وجنجيانج لأكثر من تسعة آلاف كيلومترا وكلاهما يصلح فيه الملاحة المحلية والدولية إلى عمق ألفين وخمسمائة ميل بحرى وقد كثرت مداهمات الهون على سهول الصين الخصبة بالرغم من وجود حائط الصين الفاصل بينهم وبينها وأبرمت بينهما عدة معاهدات رسمية وجرى تبادل السفراء لتأمين حسن الجوار وعدم الاعتداء على بعضهم البعض ( ودفع الرهان ) وهو أن يرهن طرف إلى الطرف الآخر أعز شخصية في بلاط وقد يكون أميرا من أمراء البلاط ضمانا للمرتهن على الراهن وكان أوغوزخان … أحد هؤلاء الأمراء من بلاط الهون إلى بلاط الصين ولكنه ركب حصان ملك الصين وهرب إلى بلاط أبيه في بلاد الهون منغوليا الآن وصادف أن جرده أبوه من ولاية العهد إلى أخيه من أم أخرى فغضب ودبر ثورة عارمة على بلاط أبيه وقتل من فيها وأعلن نفسه ملكا لإمبراطورية الهون وذلك سنة 216 قبل الميلاد . ويطول تفصيل ذلك (17) .
أغوزخان وشعار الذئب الرمز
ولكل أمة رموزها في القومية تتخذ هذا الرمز من بناية أثرية أو قلعة ذات تاريخ أو شجرة تندر وجودها عند قوم آخرين أو حيوانا أو نسرا أو عقابا أو الأسد . اتخذ الهون الترك الذئب رموا أو شعرا ولا مد غير قصير ولم يزل بعض الأتراك في الشرق يتخذونه رمزا أو سمة مميزة وله قصة بأن أوغوزخان مته هذا بعد انتصاراته العظيمة على الصين وما جاورها من البلدان وتوحد مع مماليك الأويغور في آسيا الوسطى ومنخفض تاريم وجونجار اتجه نحو الشمال الغربي من سهول آسيا مارا بمرتفعات سيبيريا من القسم الغربي وكان معه أكثر من أربعة مائة ألف من جيوشه وأتباعه بعشيرتهم وعوائلهم وقعوا في تيه لايجدى به السير من أي اتجاه يتجهون . وهم في حيرتهم هذه يواجهون الموت والفناء رأوا ذئبا أزرق اللون يتجه إليهم وعندما وصل الذئب إلى مشارف مخيمهم قفل راجعا فكأنه أشارة بدت منه ليتبعوه فتبعوه وما هي إلا ساعة أو بعض ساعة اهتدوا إلى طريقهم الذي يقصدونه فاتخذ أوغوزخان قراره بأن يكون الذئب شعارا لهم وسمة مميزة لدولتهم (18) ويقول التاريخ إن أغوزخان في توغله هذا وصل إلى سواحل البحر الأسود ولهذا قال العلامة اللغوي الأديب المؤرخ محمود بن حسين الكاشغرى إن حدود تركستان الكبرى غربا البحر الأسود (19) وقد كتب بعضهم في أوغوزخان أساطير وحكايات أغرب من الخيال في ولادته ومهدر صباه وتكوين ملكه العريض وهو غلام .
آتيلا ملك الهون وقاهر أوربا
وأما الشخصية الثانية من أباطرة الهون . آتيلا قاهر أوربا وإن آتيلا هذا عاش ومات في القرن الخامس الميلادي ونقل سلطته إلى أوربا وفرض عليها من مائة سنة 432 إلى سنة 553 حيث توفى في إيطاليا و ورى جثمانه تحت مياه الدانوب بموجب وصيته حيث قتل مسموما من قبل بعض محظياته الأوربيات أو قتل على يد عروسه من الأميرات وبعد وفاته انقسم ملكه إلى أكثر من عشرين دولة بسمات وشرائع الهون التي فرضت على أوربا كلها وأقصى الحد الذي وصل إليه آتيلا مدينة بينا (20) . (أنظر الإيضاح من الأصل)
آفراسياف و بخارى وكاشغر
والشخصية الثالثة من أباطرة الهون آفراسياف الذي تولى ولاية آسيا الوسطى ومنطقتي حوض تاريم وجنجار ( التركستان الشرقية الآن ) وكانت له عاصمتان وهما مدينة كاشغر وسمرقند في سهل فرغانة وامتدت سلطانه إلى أبعد من بخارى وخوارزم وخراسان وهدد ملك فارس وجدد بناء مدينة بخارى وكاشغر واستعمل في تزيين سور الأخيرة الكيشاني وسماها كاشغر وكانت تسمى أوردا كنت في عهد القاراخانيين الأول وكانت مدينة بالاساغون بالقرب من اسسيق كول مصيفا لكل الخواقين والملوك عبر مئات السنين وكذلك في عهد كل تكين خان في أواخر القرن السادس الميلادي .
قيام الدولة الساسانية بين الأويغور الترك والفرس
قبل آفراسياف عرض سلالة الفرس وعلى رأسها شابور الثاني والد كسرى أنوسترداتة . ولعل آفراسياف تولى الجانب العسكري وضبط الثغور وأما إدارة الدولة كانت في يد شابور ثم كسرى في شروان ـ فآفراسياف صنو زميله آتيلا في القهر وسعة الملك وكان كريما بالرعية . وسبق أن تكالبت عليه الأعداء من خوارزم والبوذيين التبت والصين وفارس ولكنه تغلب عليهم جميعا . وعند وفاته بكى عليه كل من في رعيته ورعايته شيبا وشبانا ولم يزل قبره مطمورا خوفا من الاعتداء على جثته .
الإسلام دخل خراسان وماوراء النهر بعد معركة نهاوند
ثم مرت سنون عجاب على أمة الترك في آسيا وتمزقت أوصال دولة الهون الغربية على مماليك وحكام وملوك الطوائف المتنافرة حتى استعادت بلاط القاراخايين الحكم في البلاد ولكن بشكل بطيء جدا حيث لم تسلم الملوك والخواقانيين من الفتوحات الإسلامية فهناك مهلب بن أبي صفرة ثم ابنه يزيد بن مهلب بن أبي صفرة وبعج أخوه الفضل ولكنهم اندهروا في حياة والدهم إلى الغرب من نهر جيحون عامودريا إلى مدينة مروة وبلخ وكانت في حوزتهم وذلك في عهد الخليفة العباسي عبد الملك بن مروان وكان حجاج بن يوسف الثقفي واليا على العراق ويهلب أبنائه كانوا من أشجع القواد المسلمين العرب الأوائل الذين داهموا بلاد أتراك الشرق في عقر دارهم وفتحوا مدينة بايكند بالقرب من بخارى ولكن اسليك خان سمرقند قاومهم واستنجد بـ كلتكين خان من مدينة كاشغر فقدم إلى سمرقند بجيوش لا حصر لها حتى أن مهلب بن أبي صفرة انسحب من بايكند مفتاح مدينة بخارى ، إلى مروة وكان جنود العرب المسلمين الفاتحين الأوائل يتمركزون في مدينة بلخ في الجنوب من خراسان .
ثم قدم قتيبة بن مسلم الباهلي وعبر النهر إلى الشرق ودهر جيوش الخاقان الترك وفتح سمرقند . وبنا مسجدا بها ثم جلب إليها المهاجرين العرب للاستيطان بها لكي لا تقوم فيها ثورة ضد الإسلام والمسلمين وسرى نور الإسلام وكلمة التوحيد سريان الدم في العروق نحو الشرق وأسلم خلق كثير بالإسلام في ولاية كاشغر وما حولها سرا حتى وصل شروق العقيدة النورانية إلى مشارف الصين .
ومن المؤكد بأن نصف سكان منخفض تاريم اقبلوا إلى الإسلام دينا عقيدة دونما علم لدى السلطات المحلية ومن هذه المناطق ياركند وآقسو وتورفان وقاراشهر وكوجار , غير أن العلامة المؤرخ المجاهد الفقيه محمد أمين بوغرا يقول أن الإسلام دخل إلى وادى تاريم في عهد ستوق بوغراخان عبد الكريم سنة 332 هـ ولوا إن الإسلام دخل إلى ديارنا قبل هذا التاريخ كنا فخورين به (21) .
نقول إن بعض المؤرخين أمثال الخطيب البغدادي وابن أثير في كتابه الكامل يقول إن فتوحات قتيبة بن مسلم الباهلي وصلت إلى مدينة كاشغر وقتا من الزمن وهؤلاء المؤرخون من الثقاة ولا سبيل في الشك في أقوالهم ثم إن هناك دلائل محسوسة لدخول عقيدة الإيمان بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ورسولا وبالقران دستورا رحمة لنا او علينا إلى أمة الترك قي بلاد حوض تاريم ومنها ولاية كاشغر وهي أي الدلائل إذا سلمنا جدلا بدخول الإسلام إلى وادي تاريم في القرن الرابع الهجري والعاشر الميلادي لما أنجبت تلكم البلاد في أوائل القرن الحادي عشر أمثال العلامة يوسف خاص حاجب صاحب كتاب ( قوتاتغو بيليك ) واللغوي المؤرخ الأديب محمود بن حسين الكاشغري صاحب كتاب ( ديوان لغات الترك ) في أقل من قرن واحد من دخول الإسلام حيث أن علومهم العربية وعقيدتهم الراسخة وتفانيهم في خدمة الإسلام والمسلمين لم يتحقق في هذه الفترة الوجيزة بهذا الرسوخ والشموخ والشمول بالمعرفة والعلم والعقيدة والأدب واللغة العربية حيث أن العلامة محمود بن حسين الكاشغري ألف ديوانه باللغة العربية كأي عربي ضليع للغة قوية في الوقت الذي لم يأت كتاب بهذا المستوى والحجم على الساحة العربية من قطر نائي مثل تركستان الشرقية .
ويقول أيضا النتيجة إن الإسلام عقيدة وعبادة قد دخل إلى وادي تاريم أثر فتوحات قتيبة بن مسلم الباهلي في أواخر القرن الأول الهجري بدون علم السلطات المحلية ثم أتم الله شرعه ومنها جاء أسلوب حياة وشريعة وحكما وسلطة مباركة في عهد ستوق بوغرا خان عبد الكريم سنة 332 هـ الموافق سنة 943 م لعلي فات على العلامة تحليلنا هذا . وربما في مخيلة العلامة علوما ودراية لم ننل شئوها وعلى غرار قوا الشاعر العربي
وكم من عائب قولا صحيحا وآفته من الفهم السقيم والله الملهم للصواب
قوتلوق وتركش من أقوى الدول الآسيوية الترك قبيل البعثة والصدر الأول للإسلام
ونحن إذ ننفى تأخير دخول الإسلام إلى تركستان الشرقية نحاول أن نثبت أن الإسلام قد توغل في سائر القبائل التركية في عرض البلاد وطولها . فهناك دول تأسست على الوثنية والبوذية والشامانبة وفي فترة مابسط أهل التبت سلطتهم علينا ثم تراجعت وكانت هناك دولتا قوتلوق وتركش في الشرق من آسيا الوسطى وإقليم تركستان الشرقية الأولى فيما بين سنة 60 ـ 135 هـ ، والثانية من سنة 71 ـ 123 ـ هـ حيث دخلتا في اتحاد كونفدرالي وتخلصتا من هجمات الصين الشرسة على ممتلكاتهم (22) ويقول علامة السيد محمد أمين بوغرا في تاريخه أن الدولة التركية التي تصادمت بل قاومت غزو فاتحين العرب بقيادة أحنف بن قيس . هي دولة قوتلوق ومن ملوكها كلتكن خان.
الإسلام في تركستان الكبرى
دخل الإسلام إلى تركستان الكبرى منذ سنة 86 من الهجر النبوية وكانت أول قدم وطيء أرضها قدم القائد الإسلامي المظفر لصنف بن قيس اعتقد هو أزدي وكان على يده فتح مروة وبلخ من بلاد خراسان التي هي أغنى وأغلا جزء غربي من بلاد تركستان . وقد شع نور الإسلام إلى ما بعد ما وراء النهر منذ فجر انتصار المسلمين في معركة نهاوند الفاصلة سنة 22 هجري الموافق 642 م بقيادة نعمان بن مقرن الذي قتل في المعركة وتولى أمر الجيش حذيفة بن يمان رضي الله عنهم وأرضاهم .
أخوة الإيمان لولا الإسلام لما كنا شيئا يذكر في هذه الدنيا الفانية فوق أي أديم وتحت كل سماء . ونحن إذ نتباهي بالإسلام دينا وعقيدة وعملا وأسلوب حياة ومنهج مميز وسراج أمة لا نقول إلا الحق ولا ننتمي إلا للقران ولا نهتدي إلا بهدى الله ورسوله وقد شرفنا الله برسالته والخواتيم من دينه وشريعته الثابت في أرضه وفوق سمائه إذ يقول سبحانه وتعالى اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا وقال في أية أخرى كنتم حير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله .
أعلام أنجبتهم التركستان
إن تركستان الكبرى في خراسان ومرو وترمذ وبخارى وسمرقند وسرخس ونيسابور ومرغينان وطراذ وأترار وكاشغر وبالاساغون وفاراب وبيرق وغيرها أنجبت نجوما زاخرة فى الحديث والفقه فى العقيدة والفتيا والطب والملك وجغرافيا والادب واللغة والفلسفة والصرف والنحو وعلم البيان والتاريخ وعلم الاجتماع واصبح كتاب بعد القران لمحمد بن اسماعيل البخاري والخمس الباقون مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة ابو داود السبستانى أصبحوا أساطين علم الحديث في الشرق والغرب وهناك الزمخشري والطبري وابن سينا وإمام الحرمين الجويني وأبو حامد الغزالي حجة الإسلام صاحب إحياء علوم الدين ثم العلامة محمود الكاشغري والبيروني والفارابي نديم سيف الدولة الحمداني (23) والسكاكي وإن القرون الخمسة الأولى من الهجرة أفرزت أكثر من سبعة آلاف عالم في مختلف العلوم والفنون والرياضيات ولكن مع الأسف القلة القليلة منهم أدرجت أسمائهم وتأليفهم في أمهات الكتب المتداولة وقد رأيت المئات من مخطوطاتهم حتى الآن في مكتبات قطرنا العربي الإسلامي لم يزل طي مخازن الكتب وضمن المخطوطات بالألوف المؤلفة وإلى اليوم نرى بعضا من مشايخنا يشار إليه بالبنان وبالأمس توفي الشيخ العلامة عبد الكريم المولوي بمكة المكرمة وكان ضليعا بعلم الميراث والفرائض وقد علم به بعض طلاب جامعة أم القرى بكلية التربية وعلوم الدين وأتوا إليه في المسجد الحرام وأخذوا عنه . وقد ضمن الأستاذ عمر عبد الجبار بعض علماء تركستان من المهاجرين في كتابه ( من أعلام مكة ) وقبله الأستاذ عبد القدوس الأنصاري رحمهما الله أخرج تراجم بعضهم ونشرها في المنهل وأخرجت تراجم بعضهم في كتابي ( الأعلام لبعض رجالات تركستان ) وعندما استقيت تراجم أكثر من سبعمائة شخصية من علماء تركستان من كتبهم القديمة والتراجم والمعاجم وكتب التاريخ ومن ذيل بعض مؤلفاتهم ومن منجد الأعلام . انقطع علي حبل الوصل والمواصلة لما بعد القرن السابع الهجري لأواخر الثاني عشر فلا تدري كم من علمائنا الأفاضل ولدوا وعاشوا وخدموا كثيرا وألفوا خلال خمسة قرون من الزمن أو أن هذه الفترة تصادف عصر الانحطاط 656 ـ 1212 هـ الموافق 1258 ـ 1798 م ربما خمدت معييثهم أو جرفتهم رياح الانحطاط العاتية الحاملة إلى متاهات الدنيا الفانية نحو بريق السراب الزايل ولا أظن لأني أتوسم بهم الخير .. ولدينا الآن صورة فوتوغرافية تجمع أكثر من سبعين عالما من مدينة كاشغر أخذت الصورة في العقد الثالث من هذا القرن بدار السفارة البريطانية في مدينة كاشغر كانوا يومها في ضيافة السفير لعلماء البلدة وإذا كان هذا الجمع من أكابر العلماء في مدينة واحدة فكم تقدر علماء الإسلام عبر مدن وقرى وأرياف تركستان المترامية الأطراف عبر قرون عدة ..
أخوة الإيمان أن تركستان الكبرى بجانب إنجابها الفطاحل من العلماء الأعلام أنجبت نجباء ونقباء والأشاوش من الفرسان والفاتحين الكرام الغيورين لدينه وعقيدته وقرانه وشريعته وسنة نبيه أمثال محمود الغزنوي والسيد ألب أرسلان السلجوقي وأرتوغرول العثماني منهم محمد الفتح العثماني وتيمور لنك وظهير الدين بابور مؤسسة إمبراطورية مغول الهند ومن النساء شجرة الدر ام المماليك التي تربيت في الأسرة الأيوبية والأيوبيون من أصول تركية لأن الأكراد هم بقايا ….. التي هاجر منهم جموع غفيرة منذ فجر التاريخ إلى بلاد الرافدين وأنجبت الملك الصالح صلاح الدين الأيوبي .
الخلافة العباسية وأتراك الشرق
وعندما قامت الخلافة العباسية على أكتاف الخراسانيين بقيادة أبي مسلم الخراساني وأعلن السفاح قيام الخلافة العباسية في مدينة كوفة سنة 142 هجري الموافق سنة 759 م ثم قتل أبو جعفر المنصور أبا مسلم الخراساني غيلة وقد إذدحمت الكوفة والبصرة بخليط من الأجناس المسلمين غير العرب تمخضت الخليفة الجيدة والخميرة الطازج من عناصر أتراك الشرق وكان أكثرهم أسرى الحرب التي جرت بينهم أي بين أتراك الشرق والفاتحين العرب والغزاة من المسلمين الأتراك وكثرة كاثرة منهم جلبوا إلى بصرة وكوفة وبلاد الرافدين كعبيد ولم يكن في خلدهم أن يوما ينتظرهم ليكونا قادة وملوكا وأمراء الجيش وأمناء سر الخلافة العباسية وكانت بينهم صلة وتعارف من أصول الأكراد من الأيوبيون فيما بعد وقد مالت الخلافة إلى أسرة (24) البرمكي تجنبا من التعامل بالعناصر العربية الأصيلة مثل ما عاملت الخلافة الأموية بالهاشميين ومن أهل الجزيرة العربية تخوم دعاة الإسلام ومهبط الوحي ونزول القران .
وقد دانت دولة البرامكة حينا من الوقت ثم بانت وأخذ مكانهم أتراك الشرق بالتدريج وكان جل مهامهم في القطاع العسكري والشرطة والحرس ومرابطة الثغور في القيادة وأمراء الجيش وكانت تشاطرهم بالعمل فئات من أمثال الأكراد وعندما نخر سوس الضعف والاستكانة في جمع الخلافة العباسية تولى هذه الفئات بعض القيادات والحكم في مناطق كانوا عاملين فيها فتمخضت منها نخبة ممتازة سميت فيما بعد بالأيوبيين نسبة إلى الملك الصالح صلاح الدين الأيوبي وكانت في حوزتهم شجرة الدر انتقلت بهم إلى دمشق وحلب ثم فلسطين فالقاهرة المعز لدين الله .. وعند وفات زوجها توران شاه سنة 648 هـ سنة 1250 م في الإسكندرية في تصديه على الحملة الصليبية تولت أمر البلاد والعباد حتى تزوجت من قائد زوجها أيبك المملوك التركماني فتأسست دولة المماليك (25) وقد مدحها المقريزي في السلوك ج ـ 1 ـ 367 وأبو المحاسن في النجوم الزاهرة ج ـ 6 ـ 373 حيث يقول برهنت على حسن سيرتها وغزير عقلها وجودت تدبيرها . إلى أخره وها هي أخت لكم من بنات تركستان من أتراك الشرق .
.
اعزائي اعضاء المنتدى : كل ماورد في تلك المقالة تمثل وجهة نظر صاحبها وعلينا الاطلاع وأخذ المفيد والبحث عن ما هو مشكوك فيه