قل
غضبت الحكومة الأمريكية لما ورد في تصريح الملك عبد الله خادم الحرمين، من أن العراق يخضع لاحتلال غير شرعي ، واستدعت (السيدة كوندوليزا رايس) سفير المملكة العربية السعودية لتبلغه امتعاضها الشديد من هذا التعبير،
. وطلبت سحب هذا الوصف واستبداله بـ"الوجود العسكري" في العراق وعللت ذلك بأنه وجود شرعي جاء بناءً على طلب الحكومة العراقية المنتخبة وبمباركة الأمم المتحدة وقوات التحالف الدولية.. ثم فصلت السيدة (دانا بيرينيو)، المتحدثة باسم البيت الأبيض،موقف واشنطن قائلة : "إن القول بأن الولايات المتحدة تحتل العراق يعد وصفا غير دقيق ، وتصحيحه أنه وجود عسكري بناء على دعوة من حكومة بغداد المنتخبة ديمقراطياً في دولة ذات سيادة". انتهى كلام السيدة بيرينو ،
وتبدأ تساؤلاتنا:
هل للوجود العسكري لدولة أجنبية على أرض دولة أخرى تعريف آخر سوى الاحتلال؟ وهل معنى الاحتلال يختلف عن معنى الإستعمار بمفهومه القديم والحديث؟ وهل الغزو شيئ مختلف عن الوجود العسكري والاحتلال والاستعمار؟أم أن الثلاثة بمعنى واحد ؟
كل هذه الأسئلة جالت بخاطري عندما سمعت بتفهيم السيدة رايس حول معنى الاحتلال ومتى يكون شرعيا وأننا يجب أن نأخذ حذرنا من الألفاظ حينما يرتبط الأمر بأمريكا ، فيجب أن نعلم علم اليقين أنه ليس احتلالا ولا اعتداءً ولا غزوا ، وأن من يحارب هذا الوجود "الشرعي " يعتبر خارجا على "الشرعية الدولية" ومتمردا على مبادئ الحرية والديمقراطية التي أرستها أمريكا خلال أربع سنوات ظلت وما تزال جاثمة على أنفاس العراقيين تعمل فيهم القتل والسجن والتعذيب والهدم والتشريد والاستيلاء على الثروات والموارد وإذلال أهلها واغتصاب نسائها وترويع أطفالها وإشعال الفتن والحروب بين أبناء الوطن الواحد وتبديد قوة الدولة وهدم بنيتها الأساسية.
تعالوا نتفهم معاني هذه الألفاظ بعيداً عن تعاليم السيدة "رايس" وتابعتها" بيرينيو"
الاحتلال في اللغة : الاستيلاء على المكان قهرا . احتل : أتاح لنفسه التمتع بممتلكات الغير... والتحلل: المروق والاستخفاف بالمقدسات في غير مبالاة.
أما الاحتلال في قاموس المصطلحات السياسية فمعناه :" استيلاء قوات دولة ما على أرض دولة أخرى و فرض سيطرتها عليها وإمضاء قوانينها على مواطني تلك الدولة ، وفي هذه الحالة تعتبر قوات مغتصبة ومعتدية لقوانين الشرعية الدولية والمجتمع الدولي ."
لفظ "الاستعمار" أكثر شمولا من الاحتلال حيث يعرف بأنه : توطين قوات أجنبيةومواطنين أجانب لدولة ما ،وحكمها بقوانينها والمكوث فيها لأجل غير مسمى، واستغلالها اقتصاديا وعسكريا وثقافيا ".
فإذا ما قارنا هذا المعنى بلفظ "الغزو" فإن الأمر يفترق ، ( غزا العدو غزوا : سار إلى قتالهم وإخضاعهم في ديارهم .. وفي المعني السياسي للغزو: أنه هجوم قوة دولة ما على دولة أخرى بقصد إخضاعهم لنظامها وحكمها )
يفترق الغزو عن الاحتلال والاستعمار بأنه لا يرتبط بطول مدة البقاء أو بديمومة التواجد ، ويمكن أن ينتهي الأمر باتفاقية أو هدنة يتم بعدها انسحاب هذه القوات ، وفي المعني الإسلامي للغزوات أنها قامت على أساس معين مؤداه ضمان وصول دعوة التوحيد إلى أهل المكان الذي تم غزوه وتحرير إرادتهم في الاختيار بين الإسلام وغيره من المعتقدات دونما قهر أو إجبار .
و"الوجود العسكري " معناه كون الاحتلال واقعا مما يترتب عليه هيمنة تلك الدولة صاحبة ذلك الوجود ، بفرض سيطرتها إلى أجل غير مسمى عندما ينتهي واقع هذا التواجد العسكري.
فهل هذا ما قصدته( رايس) بالقبول بالأمر الواقع والتسليم به ، دونما تعديل في المعاني والمسميات؟!
إنها أمريكا صاحبة نظام البطش العالمي الجديد ، تريد أن تقتل فيقال إنها ترحم القتيل،
تسجن، تعذب، تشرد، تهدم، تنهب الثروات ،تنكل بكل من يعارضها، تذل من ينطوي تحت رايتها ولا تريد أن يطلق عليها إلا "الدولة الملائكية" التي تبشر بالحرية والمساواة والديمقراطية وحقوق الإنسان، فنعم الوجود العسكري وجودها و بئس الاحتلال والاستعمار الذي ليس من صفاتها ولا من حقيقتها!!!