من أبطال التركمان
الملك المنصورنورالدين بن عمر بن علي التركماني
(( يستطيع ثلاثة أتراك أو تركمان، معهم ثلاثـة أحجـار وقـدر طعام وفـرس، تأسيس إمبراطورية))
الأتراك والتركمان مشهورون في التاريخ في بناء الدول والإمبراطوريات. سواء قبل الإسلام أو بعد تشرفهم باعتناق الدين الحنيف والجهاد في سبيل الله تحت رايته، ومن يتصفح التاريخ يندهش، ولا يستطيع إلا ان يقف إجلالا واحتراما أمام عبقرية هذا الشعب العظيم في بناء الدول والإمبراطوريات التي حكمت نصف العالم لما يزيد على ثمان قرون. فلا نريد في هذه العجالة ان نعدد أسماء هذه الدول والإمبراطوريات التي امتدت من منغوليا مرورا بإمبراطورية قبلاي خان في الصين إلى إمبراطورية الشاه على اكبر في الهند إلى طهماسب ودولة السلجوقيين وقرة قوينلو وآق قوينلو والاتابكة والمماليك في مصر والإمبراطورية العثمانية. وقد حكم الأتراك من الجزائر ومصر في الشمال الأفريقي إلى اليمن في جنوب الجزيرة العربية و البحرين والجزيرة العربية كاملة والعراق وإيران والهند وأفغانستان ونصف روسيا ومن اسطنبول في القارة الأوروبية إلى أسوار فيينا، لعشرات بل مئات السنين.
فبعد إسقاط الإمبراطورية العثمانية في العشرينات من القرن الماضي، منع على الأمة التركية التوحد حالها حال الأمة العربية، فهاتان الأمتان تكالبت وتتكالب عليهما القوى الحاقدة على الإسلام تمنعهما من الوحدة والتوحد بين دولها وأقطارها المنتشرة. فالأمة التركية بنفوسها التي تتجاوز 400 مليون والتي تشغل مساحة تمتد من بلاد البلقان شمال البحر الأسود وتمتد إلى الشيشان وداغستان وتترستان إلى أذربيجان وقيرغيزستان وتركمانستان وطاجكستان وأوزبكستان إلى شمال منغوليا وشمال شرق أفغانستان وشمال غرب الصين ( في الصين وحدها يوجد حوالي 100 مليون تركماني مسلم من قبيلة اوغور وما زالت لغتهم التركمانية تكتب بالأحرف العربية وتقديرا من ماوتسي تونغ لهم، ثبت لغتهم التركمانية على العملة الصينية وبالحروف العربية).
بطلنا التركماني، هو مؤسس الدولة الرسولية في اليمن، وأحد الدهاة الاجواد الشجعان. ملك عادل، أديب فارس، مجاهد وسياسي داهية أسس ملكا دام 232 عاما.
هو البطل نورالدين عمر بن علي بن رسول بن هارون بن أبي الفتح الغساني التركماني, الملقب بالملك المنصور.
أختلف النسابون في نسب الرسوليين، فمنهم من يرفعه إلى جبلة بن أيهم الغساني. والغساسنة فرع من قبيلة الازد اليمنية التي نزحت الى شمال الجزيرة بعد تهدم السد ( سد مأرب) وسادوا في بلاد الشام وفي أزمنة لاحقة سكن أحفاد ابن الايهم بلاد التركمان وتكلموا لغتهم ومن هنا جعلهم بعض النسابة تركمانا. أما الجد القريب للرسوليين فهو محمد بن هارون الذي استوطن العراق ودخل في خدمة الخليفة العباسي المستنصر بالله الذي وثق بحكمته وفصاحته فجعله رسوله إلى الشام ومصر حتى غلب عليه كنية الرسول فصار لقبا له ولأسرته من بعده إضافة إلى لقبهم الأصلي التركماني الذين اشتهروا به ولم يتنازلوا عن حتى إبان حكمهم لأكثر من قرنين من الزمان، فالأتراك أو التركمان لم يتعاملوا مع إخوانهم العرب بعد اعتناقهم الدين الإسلامي الحنيف من المنطلق العرقي الشوفيني الضيق وإنما جندوا أنفسهم لخدمة الإسلام والمسلمين والدفاع عن أراضيهم ومقدساتهم والجهاد في سبيل الله لدفع شر الغزاة المحتلين الطامعين، فان التركمان هم الذين قضوا على جحافل التتر والمغول عندما غزوا الشام وفلسطين والحقوا بهم شر هزيمة في معركة ( عين جالوت) بالرغم من ان التتر والمغول هم من القبائل التركية التي تنحدر منها التركمان أيضا فصرخ بوجههم القائد قطز وناد بأعلى صوته واسلاماه ! ولم يناد واتركاه أو تركماناه.
ان سبب اختيار الخليفة المستنصر العباسي، برأينا، لمحمد بن هارون التركماني، هو بالإضافة إلى فصاحته وحكمته، هو إجادته للغة التركمانية، لغة الزنكيون التركمان ملوك الشام ومصر.
ولد مؤسس الدولة الرسولية، نورالدين عمر بن علي رسول الغساني التركماني بمصر ونشأ أديبا فاضلا فارسا. كان حسن الاتصال ببني أيوب, ولما استوثق الحكم للأيوبيين في مصر ادخلوا أبناء الغساني التركماني في خدمتهم ومكنوهم من اليمن. فدخل اليمن بصحبة توران شاه خمسة من بني رسول التركماني احدهم بطلنا نور الدين عمر بن علي رسول الغساني التركماني. ولما دخل الأيوبيون اليمن كان نور الدين عمر بن علي الرسولي التركماني مع الملك المسعود ابن الملك الكامل فقلده المسعود أعمالا كثيرة ظهرت فيها كفاءته, ولما توجه الملك المسعود إلى مصر جعل نورالدين عمر نائبا عنه في اليمن. ثم سار المسعود إلى مكة وتوفي فيها سنة 626هـ الموافق لعام 1228 للميلاد، ثم استولى نور الدين عمر المنصور الرسولي على اليمن وأظهر النيابة عن الأيوبيين إلى أن أعد جيشا ضخما واستقل باليمن سنة 630هـ الموافق لعام 1232 للميلاد وتلقب بالملك المنصور وضربت السكة باسمه.
وبهذا أسس الملك المنصور نور الدين عمر بن علي الرسولي الغساني التركماني دولة استمرت تحكم كامل الجزيرة العربية لمدة 232 عاما أي من العام 626-858 للهجرة والموافق للعام 1229-1454 للميلاد.
أقام أول الأمر في( جند) ثم اتخذ تعز عاصمة لملكه. أمر بالخطبة للخليفة العباسي المستنصر بالله بالرغم من ان الخلافة العباسية كانت في النزع الأخير، وكان الدافع لهذا الأمر في رأينا الأول لإضفاء الشرعية الروحية على ملكهم والثاني الولاء والوفاء لمقر الخلافة الإسلامية الشرعية في بغداد، ومن الطريف ان مساجد اليمن تحت الحكم الرسولي التركماني ظلت تخطب للآخر خلفاء بني العباس المستعصم، بعد سقوط بغداد عام 656 للهجرة الموافق للعام 1258 للميلاد على يد المغول. ويذكر الخزرجي، مؤرخ بني الرسول التركماني ( ان المستعصم هو الذي يدعى له على سائر المنابر الى وقتنا هذا في سنة ثمان وتسعين وسبعمائة) أي لفترة 142 عاما بعد انتهاء الخلافة العباسية في بغداد. هذا هو الوفاء التركماني في أروع صورها!!. وهل هناك مقارنة بين هذا الوفاء وبين خيانة ابن العلقمي الذي كان وزيرا للمستعصم.
تعد دولة الرسوليين من أطول الدول عمرا في تاريخ اليمن الوسيط إذ استمرت 232 عاما، وحكمها خمسة عشرة ملكا أولهم الملك المنصور نورالدين عمر بن على الرسولي التركماني وآخرهم المسعود أبو القاسم صلاح الدين بن الاشرف الرسولي التركماني. ويجعل بعض المؤرخين من المؤيد شقيق المسعود ومنافسه في الحكم آخر الملوك، لكن كليهما انتهى أمره في العام 858 للهجرة الموافق لعام 1454 للميلاد على يد الطاهريين.
جهز نور الدين عمر حملة إلى الحجاز فاستولى على مكة وتوابعها وتم له ملك ما بينها وبين حضرموت وانتظم له ولبنيه ملك الحجاز واليمن، ويشبه المؤرخين الدولة الرسولية باليمن بدولة العباسيين في العراق.
تمكن الرسوليون بقيادة مؤسس ملكهم المنصور نور الدين عمر التركماني من توحيد اليمن كله تحت حكمه، من حضرموت جنوبا وحتى مكة المكرمة شمالا وبسط سيادته الفعلية على كل الجهات ودانت له القبائل والأسر كالائمة الزيديين في صعدة وجهاتها وآل حاتم في صنعاء وما حولها. ومع ذلك فقد واجه الرسوليين الثورات وانتفاضات وتمردات مختلفة، لأسباب سياسية ومذهبية، كثورة الأمير أسد الدين في صنعاء وانتفاضة الزيديين بزعامة الإمام المهدي احمد بن الحسين وهو من أحفاد الإمام عبد الله بن حمزة ( المشهورون بالحمزات) وقف الملك المظفر الرسولي التركماني الى جانب قبيلة الحمزات وتمكن من إحراز النصر على المتمردين. بعد وفاة الملك المظفر خلفه شقيقه الملك الاشرف "إسماعيل بن العباس" ( 778 - 803 هجرية )، الذي حكم لمدة عام واحد فقط ليخلفه شقيقه المؤيد الذي حكم الدولة الرسولية لخمس وعشرين عاما، تمكن خلال حكمه من ترسيخ هيبة الدولة وقضائه على التمردات والانتفاضات ومقاومته لوثبات الأئمة الزيديين في الجبال. خلفه ولده المجاهد"علي بن داود " ( 721 - 764 هجرية الموفق لعام1321-1362 ميلادية) ليحكم ثلاثا وأربعين سنة جابه فيها اعنف واعتى التمردات ضد ملكه. وقد اظهر الملك المجاهد صمودا وعنادا وبطولة وحنكة في مجابهة المستجدات والمؤامرات والدسائس ضده وضد ملكه يعتبر المؤرخون المــلك المجـاهد علي بن داود بحق واحدا من عمالقة الرسوليين التركمانيين.
تميز حكم الملك المنصور نور الدين عمر بن علي التركماني ومن بعد أولاده وأحفاده بكثير من الإنجازات المهمة في ميدان العلم والتجارة والزراعة والطب. فقد بنوا المدارس الكثيرة وأجزلوا العطاء للعلماء. وكان كثير من ملوك بني رسول التركماني علماء وشعراء وأصحاب رأي ومؤلفو كتب في مختلف العلوم، ولا تزال شواهد وشواخص من منجزاتهم العمرانية شاهد الى يومنا هذا كجامع المظفر وجامع الاشرفية وحصن تعز. وأغتيل الملك المنصور نور الدين عمر الغساني التركماني عام 647 للهجرة الموافق لعام 1249 للميلاد على يد احد خدمه في قصره.
وقد شهدت هذه الدولة رخاء اقتصادياً وثقافياً كبيراً ، لعبت فيها النساء أدواراً سياسية واقتصادية هامة . والذي يؤكد تركمانية هذه الأسرة الكريمة هو دور النساء في الدولة التي أسسها الملك المنصور نور الدين عمر، اذا كان من المعروف تدخل النساء التركمانيات في شؤون الحكم ، فمن ضمن النساء آلاتي لعبن أدواراً سياسية هامة : الدار الشمسي , ابنة الملك المنصور نور الدين عمر , أول ملوك هذه الدولة , والتي اشتهرت بذكائها وقوتها السياسية أيضاً. ثم السيدة جيهات صلاح والتي سيطرت على الحكم كونها زوجة الملك نور الدين عمر ومكنت ابنها من سدة الحكم عام 722 للهجرة الموافق لعام 1322 للميلاد , وفي عام 777 للهجرة الموافق لعام 1376للميلاد لعبت جيهات دوراً بارزاً في إحكام قبضة ولدها على قيادة اليمن . والي جانب الأنشطة السياسية التي لعبتها النساء الرسوليات التركمانيات , فقد تمكن من خلال ثرواتهن الخاصة وروحهن الحضارية من وقف وبناء المساجد , والمـدارس، ونوا فير المياه العامة , و إعادة ترميم الكثير من المعالم الأثرية .
ويقول المؤرخون أن أكثر من ثلث المباني المتبقية في مدينتي زبيد وتعز، كان بناؤها على نفقة نساء الدولة الرسولية.
لقد كانت للدولة الرسولية مكانتها وهيبتها الدولية، ولعلى قصة الرسالة التي بعث بها مسلمو الصين توضح ذلك.
وجه مسلمو الصين إلى الملك الظافر " عامر بن عبد الوهاب الرسولي التركماني " ( 894 - 923 هجرية ) رسالة يشتكون من تعسف إمبراطور الصين ومنعه المسلمين من ختان أولادهم حسب الشريعة الإسلامية وطلبوا منه التدخل لدى الإمبراطور لرفع الحظر عن ممارساتهم لشعائرهم الإسلامية. وقد تصرف الملك المظفر بحكمة و شجاعة، يحسده عليها حكام هذا الزمان. تصرف وبما يتفق ومكانته لدى نفوس مسلمي الصين ( جميع مسلمي الصين من التركمان الاغوز) فبعث رسالة إلى إمبراطور الصين يطلب منه السماح لمسلمي الصين بممارسة واجباتهم الدينية الشرعية بختان أولادهم حسب الشريعة الإسلامية وممارسة شعائرهم الدينية بحرية، وبعث إليه بهدية تليق بمقامه. فرفع إمبراطور الصين الحظر على ختان المسلمين لأبنائهم وممارسة شعائرهم الدينية بحرية وبدون قيود، وهو ما يشير إلى تقدير إمبراطور الصين لمكانة الدولة الرسولية المسلمة، خاصة وان أباطرة الصين في ذلك الزمان كانوا يعتبرون أنفسهم سادة العالم وان غيرهم من ملوك أو سواهم إنما هم عبيد لهم، بالضبط كما يفعل إمبراطور هذا الزمان، ولكن هل لدى احد من ملوك هذا الزمان شجاعة الملك الرسولي التركماني المظفر ليقول للإمبراطور فوق عينك حاجب!!!!
turk oglu