مقال متميز (كما وصلني) .. أهديه لمن انساق وراء الفكر والثقافة ومتابعة السياسة والواقع -مع أهميتها- لكنه نسي المضغة التي هي أساس صلاح الجسد والعقل .!
------------------------------------------------------------------------------------------------
لا أذكر متى قسا قلبي !
لا أذكر متى قسا قلبي ، ولكني أذكر أنه في يومٍ ما أغراني الزخم الهائل والاحتفال الكبير بدورات الإبداع والتفكير و تشوقت لمعرفة ما وراء التفكير الإبداعي من جلسات العصف الذهني والقبعات الست وغيرها . وانشغلت بها دهرا ، وحاولت أن أكون مبدعا وأن أتعلم هذه المهارات وأطبقها .. فحاولت إصلاح عقلي ولكني بعد زمن اكتشفت أنني لم أعالج قلبي منذ فترة بعيدة موغلة في البعد .
لا أدري كيف نسيت مع هذا الضخ في مفهوم (إصلاح العقل) أن الأولوية في الإسلام إلى (إصلاح القلب ) وأن في الجسد مضغة إذا صلحت ، صلح سائر الجسد ومنه العقل .
لا أدري كيف نسيت قول الله تعالى ( إلا من أتى الله بقلب سليم ) .
المهم : أنني نسيت قلبي حتى تمكنت منه الأمراض ، وتراكمت فيه النقاط السوداء النقطة تلو الأخرى ..
فهل المشكلة في الاهتمام بالعقل ؟! أم أن الآفة في الفهم السقيم ؟!
لا أدري متى قسا قلبي ، ولكني أذكر أنني في يوم ما قرأت كتابا في الفكر يتحدث عن النهضة والتقدم وبدأت أجلو مفاهيمه واحدا تلو الآخر حتى بدت لي رائعة ، وأسرتني تلك الكتابات في تناسقها وتركيبها وفي تحليلها وطريقة عرضها .. فأخذت كتابا تلو الآخر ورحت أحدث الناس عن النهضة والتقدم والمدنية والحقوق والإصلاح وسيادة المجتمع واستقلال المثقف والحرية والمقاصد وكلمات أخرى كثيرة وراحت مع هذا الاهتمام الجديد أوراد القرآن والذكر تتلاشى ، ومظاهر التمسك بالهدي الظاهر تقل بحجة الاهتمام بالكليات وكبريات الأمور وأن الدين منه ما هو لب ومنه ما هو قشور !
وظللت أنادي في الناس حتى استفاق قلبي بوفاة أحد المقربين وقول القائلين على قبره حين دفنوه : رحم الله أخينا .. ما أشد تمسكه بالسنة !
فيا ويح قلبي وعقلي : هل المشكلة في الاهتمام بالنهضة أم المشكلة في الفهم السقيم ؟!
لا أذكر متى قسا قلبي ولكني أذكر أنني كنت أتميز غيظا كلما رأيت منكرا من المنكرات ومع الضخ الإعلامي لمصطلحات التسامح والتعايش والوفاق بالإضافة إلى صوت آخر ينادي بالتعددية وعدم احتكار الحقيقة حينها بدأت نبرة الإنكار تقل شيئا فشيئا حتى تلاشت وأصبحت أعيش هذا الواقع المتسامح بنفس منفتحة على الآخر ولكني كلما عدت إلى كتاب الله تعالى وجدت الفصام الحقيقي بين واقعي وبين قول الله تعالى ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم ) .
المهم : أنني لم أعد أشعر بضيق من المنكرات فعلمت أن الله ابتلاني بقسوة القلب ، وها أنا ذا ضارع بين يديه ، راغب إليه ونادم على مسيرة سرتها ، وطريق طرقتها وخطوة خطوتها أبعدتني عن رقة القلب وخشوعه ، وإنابة الفؤاد وخضوعه . مقتنع بضرورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنه علامة من علامات ( حياة القلب وصحته وسلامته ) .
لم أكن لأكتب هذه الكلمات لو كنت أنا الوحيد الذي سار هذه المسيرة السيئة ، ولكني أرى شباب كثير من شباب أمتي ل يستطيعوا أن يجمعوا بين صلاح القلب والعقل ولم يستطيعوا أن يوفقوا بين الفكر والعبادة وكذلك لم يدركوا ضرورة الاهتمام بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. فلا يزالون يسيرون هذه المسيرة ، ويعيشون هذا الفصل المرير بين سنن الإسلام والهدي النبوي كلما تقدموا في حياتهم الدعوية والعلمية والفكرية فأردت منهم أن يتعظوا بي ، وفي قصتي عبرة وعظة !
في هزيع الليل قمت أشكو قصة الذنب العظيم
وعـلمت أن المـاء عنوان الطهارة مـن قديم
فسكبت دمعي ضـارعا لله للمـولى الكـريم
منقول