تاريخ الجولان هو جزء لا يتجزّء من تاريخ سوريا التي تؤلف جزءاً من الوطن العربي، كما تؤلف جزءاً من المنطقة التي اصطلح تسميتها "الشرق الأوسط". كان الشرق الأوسط مهداً للكثير من الحضارات القديمة التي اتصفت بتنقل مستمر للكتل البشرية. وكانت الهجرات والغارات والتجارة منشأ اختلاط دائم أضر بسكان الشرق الأوسط كله.
إن جميع هذه التنقلات انعكست على الجولان، الملتقى الحقيقي بين الشرق والغرب، والجنوب والشمال. وإن خريطة شبكة الطرق في الجولان تدل على الدور الذي اضطلع به في العلاقات بين الشعوب القديمة.
لم يعد هذا الوضع المساعد على السير في جميع الاتجاهات بالخير على الجولان، بل على العكس، كانت النتائج أحياناً مؤسفة، لأن الجيوش المصرية وملوك فارس وآشور والكلدانيين والمقدونيين واليوناينين والسلوقيين جاءت على التوالي لتتصادم في الجولان "ملتقى الغزوات". وهكذا كتب على الجولان، كما على الشرق الأوسط بعامة أن يكون ضحية عدم الاستقرار والفوضى حتى اليوم الذي بسط فيه العرب حكمهم على أنقاض تلك الممالك القديمة.
إن أي دراسة تاريخية عن الجولان تواجهها صعوبات حقيقية، نظراً للنقص الكامل في الوثائق والآثار والأوابد التي خلفتها العهود التي سبقت عهد الصليبيين. والأماكن التاريخية متعددة، وإذا ما تجول عالم أثري في تلك الأماكن، مثل فيق والعال وكفر حارب وحومسية وصرمان وقلعة الصبيبة (نمرود)، لا يجد شيئاً كثيراً جديراً بالكشف، باستثناء قلعتين بناهما الفرنجة ولا تزالان بحالة سليمة، وهما قلعة الحصن المشرفة على بحيرة طبريا، وقلعة الصبيبة (نمرود) بالقرب من بانياس.
يقول العالم الجغرافي آبل في كتابه "جغرافية فلسطين" إن ثروة الجولان، كالأخشاب والمراعي والحبوب والمواشي وأحجار البناء والطرق المؤدية من دمشق إلى إيلات، تفسر لنا كثافة وتنوع المنطقة والمنافسة التي تعرضت لها بين مصر والعموريين، وبين المصريين والحثيين، وبين المصريين وملوك ما وراء النهرين. وظلت المنافسة طوال العهود التاريخية اللاحقة وحتى عهد حديث.
إن أقدم النصوص التي أشارت إلى منطقة الجولان هي رسائل تل العمارنة. وبعد حرب طويلة الأمد بين المصريين والحثيين، توصل الفريقان إلى وضع حد للنزاع، ووقعا اتفاق صلح، فأصبحت سوريا الجنوبية، وفيها الجولان طبعاً، تحت حكم الفراعنة في مصر. بينما تفتتت مملكة الحثيين بعد قرن من السلام والوفاق.
وقد ساعد زوال مملكة الحثيين (القرن التاسع قبل الميلاد) على ظهور الآشوريين على مسرح النزاع، فقاموا بغزو المنطقة واصطدموا بالمصريين في حوران والجولان. وفي القرن الخامس قبل الميلاد سيطر ملكا فارس، قورش ودارا، على سورية. ولما هزمهما الإسكندر المقدوني سنة 333 ق.م، كان الفرس قد تخلوا عن سورية لليونانيين وخلفاء الإسكندر. ولما مشى الإسكندر لغزو مصر سالكاً طريق الساحل السوري، سنحت له الفرصة لإخضاع قبائل الجولان وحوران.
حكم خلفاء الإسكندر من السلوقيين سوريا من سنة 312 إلى 61 ق.م، وتميزت فترة حكمهم بتزايد وصول القبائل العربية الآتية من اليمن والحجاز للتوطن في سوريا، وانتشارها في مختلف مناطقها بما فيها الجولان.
وفي سنة 64 ق.م فرضت الجيوش الرومانية سلطتها على البلاد، وقسمتها إلى ثلاث ولايات، وأدخل الجولان ضمن ولاية سميت "حوران وعوج باتانيا". عاشت البلاد فترة سلام قصيرة تحت الحكم الروماني، وأصبحت كما في السابق إحدى أجمل بلاد العالم.
كان تقسيم المملكة الرومانية، بالنسبة لسوريا كلها، بداية عهد من الاضطرابات والغزوات، بيد أن ساعة الإمبراطورية البيزنطية كانت قد دقت، فانجرت إلى معارك مع الساسانيين بدلاً من أن تضع حداً للاضطرابات. وعلى مدى 15 عاماً سيطر الساسانيون على حوران والجولان، غير أنهم لم يتركوا فيها أي أثر نظراً للمدة القصيرة التي قضوها فيها.
وكانت القبائل العربية قد بدأت تصل إلى شمالي سوريا منذ عهد السلوقيين. وسكن الغساسنة الجولان وشرقي الأردن الشمالي وحوران وجبل العرب (جبل الدروز). واستقرت قبائل عربية أخرى في العراق وغربي الفرات، وهم التنوخيون. وكان الغساسنة حلفاء البيزنطيين وباقي القبائل العربية حلفاء الفرس، وهكذا فإن تاريخ الغساسنة والتنوخيين لم يكن سوى حروب قامت لمصلحة الإمبراطوريتين المتخاصمتين في الشرق والغرب.
ورد في الأدب العربي الجاهلي، أحياناً، ذكر "حارث الجولان". وعلى الرغم من أن موقع هذه القرية لم يحدد، إلا أن تفسير الاسم قد يقود إلى مؤشرات تاريخية ذات أهمية كبرى، لا بالنسبة للقرية فحسب، بل للمنطقة المسماة "الجولان" كلها. ومن المؤكد أن اسم "الحارث" هو اسم أمير غساني، والاسم المركب "حارث الجولان" يعني أمير الجولان، مما يتيح الاستنتاج بأن المنطقة أيام الغساسنة كانت تتمتع باستقلال شبه ذاتي، ويدير شؤونها أمير. ومن المرجح أن هذا الأمير أطلق اسمه على القرية التي يقيم فيها تبعاً لعادات ذلك الزمان.
لم يضع حداً للنزاع بين الفرس والبيزنطيين إلا الفتح العربي سنة 636 م بعد معركة اليرموك. ومن الجولان عبرت الجيوش العربية الإسلامية إلى سوريا متجهين نحو دمشق وبقية المناطق بعد انتصارهم على البيزنطيين، متخذين من الجولان قاعدة لهم، لأن مياهه الغزيرة ومراعيه الخصبة مواتية لعسكرة هذه الجيوش.
وحقاً أصبح الجولان القاعدة الإسلامية الأولى، وقامت إحدى قراه القديمة، وهي الجابية، بدور هام في زمن الغساسنة، وبخاصة في العصور الأولى للفتح العربي الإسلامي. ففي قرية الجابية خطب الخليفة عمر بن الخطاب سنة 638 م خطبته المشهورة قبل توجهه إلى بيت المقدس ليترأس الاجتماع الذي قرر فيه بالإجماع ترك الأراضي في أيدي أصحابها. وفي السنة التالية، فشا الطاعون في المنطقة، فانتقل جيش المسلمين إلى الجابية المنطقة السليمة من الوباء. وكانت الجابية حتى زمن الأمويين أيضاً مكاناً للاجتماعات، ففي مؤتمر الجابية بويع الخليفة مروان بن الحكم. وفي الجابية نظم العباسيون حركتهم السرية الرامية إلى انتزاع الخلافة من الأمويين.
ولما كان الجولان ملتقى طرق متاخماً للبلاد المقدسة، فعليه وقع عبء الحروب الصليبية. وكانت قلعة الحصن وقلعة الصبيبة الصليبيتان تشرفان على الطرق والممرات، وتراقبان بالتالي المنطقة. وفي سنة 1105 تقدم الفرنجة حتى قرية العال، وبنوا فيها قلعة، إلا أنهم لم يحتفظوا بها طويلاً. وكانت طبرية، قاعدة الصليبيين منذ معركة حطين، تتلقى بالتساوي نصف واردات السلط والبلقاء والجولان والمناطق المجاورة حتى حوران. ويعني هذا أن الجولان وحوران خضعا لسلطة الصليبيين.
وتحمل الجولان أيضاً نتائج الغزو المغولي في القرن الخامس عشر للميلاد بقيادة تيمورلنك. وبدأ عهد جديد في تاريخ الشرق الأوسط سنة 1516، عندما وصل العثمانيون الذين حلوا محل المماليك. ودام الفتح العثماني الطويل حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، وتخللته اضطرابات أهمها احتلال المصريين بقيادة ابراهيم باشا سوريا في مطلع القرن التاسع عشر. وقد خلفت هذه الحملة العسكرية المصرية أثرين في الجولان هما جسر الرقاد القديم، والطريق القديمة المسماة "الطريق المصرية".
وبعد انتهاء حكم العثمانيين، وبعد تحرير سوريا من الانتداب الفرنسي واستقلالها سنة 1946، غدت منطقة الجولان إحدى المحافظات السورية. وبعد أن قامت "إسرائيل" على أرض فلسطين سنة 1948، أصبحت الجولان منطقة الصدام العسكري مع العدو الجديد.