دكتور مظفر عضو جديد
الجنس : نقاط : 5770 السٌّمعَة : 1 تاريخ التسجيل : 20/04/2009
| موضوع: الدولة التيمورية الكبرى الثلاثاء أبريل 21, 2009 2:13 am | |
| الدولة التيمورية الكبرى
ظل الأمر على ماذكرنا حقبة من الزمن إلى أن جاء البطل الاوحد، و الفاتح الأعظم « تيمورلنك » فأسس الدولة التيمورية الكبرى، و كان تيمورلنك رجلا من أدهى رجال الحرب فى تاريخ البشرية على الاطلاق، و زعمها من اقدر الزعماء على بعث الاوطان بعد إضمحلالها، جبار الجسم، خارق القوة.
ولد فى مدينة ( يشيل شهر « شهر سبز »)، من أبوين تركيين من قبيلة « بارلاس » التركية النبيلة، و ترعرع فى ربوعها، و ظهرت عليه منذ صغره مخايل الذكاء و الشجاعة، حتى انه كلف بتذليل الخيول الصعبة القياد، ويصيد الوحوش مع امثاله من الشجعان. وكان مثار الدهشة بين أترابه و زملائه بما كان يظهره من تففن و براعة فى ركوب الخيل و دقة الرمى فى القنص والصيد. وكان والده « تورغاى » شيخا لقبيلته، ينفق أكثر وقته فى صحبته الفقهاء و علماء الدين من المسلمين، و أما والدته فقد ذهب بها الموت و هو صغير، ولم يفكر احد فى تدريب تيمور و تعليمه، و لكنه كان استاذ نفسه، يتعلم وحده، و يختبر الدنيا بنفسه.
غادر تيمور بلده متوجها إلى سمرقند، لا يملك إلا سيفه، و ليس له من الحرس غير خادمه الأمين عبدالله، و انتقل بنفسه إلى وسط جديد، كله حماس و نشاط، حيث يعيش بين الجنود و الأبطال الذين لا يعتمدون على غير السيف فى هذه الدنيا المتقلبة، و تلك الحياة المضطربة، فانخرط فى خدمة الأمير « قازغان » نائب الخاقان، و خاض غمرات الحروب، فأظهر فيها من البأس و شدة الشكيمة والمهارة ما رفعه فى عين قومه فوق رفعته بنسبه و شرف منصبه.
فلما وجده الأمير « قازغان » شابا جريئا قد يفيده فى المستقبل رأى أن يزوجه فتاة من أنسبائه، و رقاه إلى رتبة ( منكباشى « رئيس الألف ») و قد تمكن الأمير قازغان نائب الخاقان بواسطة تيمور من النجاح فى عدة غزوات شمالا و غربا.
و لما مات الأمير قازغان حدثت ثورات و اضطرابات، و أخذ كل واحد من الأمراء و رؤساء القبائل يستعد للدفاع عن أملاكه، و على محاربة غيره إذا استطاع إلى ذلك سبيلا. و كان الخاقان توغلوق تيمورخان فى مدينة « المالق » يراقب الحوادث، فلما رأى أن مملكة قازغان قد تمزقت أوصالها سقط عليها بجنده، و لما رآى بقية الأمراء أن جموع الخاقان الأعظم تتقدم نحوهم انسحبوا جميعا و هربوا من وجهه، و لكن تيمورلنك أظهر الخضوع، و اعترف بسلطانه فعهد الخاقان إليه بالإمارة على قبيلة بارلاس، و رقاه إلى رتبة « تومن بكى » أي ( رئيس عشرة آلاف من الجند ). و لما اقام الخاقان ابنه « إلياس خوجة اوغلان » حاكما على البلاد جعل تيمور مستشارا له، غير أن شقاقا وقع بينه و بين وزراء الياس لم يلبث أن جمع رجاله و أعلن الثورة ليهاجم رجال الخاقان و يكسر شوكته. فلما علم الخاقان بثورته أصدر امرا بإهدار دمه، ففر تيمور من وجهه حيث لاقى من الاهوال شيئا عظيما. كل هذا جعل ذويه و اصدقائه يتفرقون عنه بعد أن ذهبت الايام بشوكته المكتسبة و الموروثة عن اجداده، و حتى الثورة تبخرت فى خضم هذه الكوارث و لم يبق منها سوى جواده، و لكن الشدائد ما كانت لتؤثر فى روح تيمور القوية، بل على العكس من ذلك كانت تشحذها، و تجلو فى نفسه كل معانى الرجولة الكاملة،،، فبينما هو طريد شريد هائم، لا يكاد يملك قوت يومه وضع لنفسه تصميما لإنقاذ وطنه من ظلم الخاقان، و اعادة مجد تركستان، بل أن نفسه العظيمة كانت تحول فيها خواطر فتح العالم بأسره، فوطد عزمه؛ على تنفيذ ذلك؛ و لو كلفه خرط القتاد و فعل المستحيل ( على قدر أهل العزم تأتى العزائم ).
فى هذه الأثناء اجتمع الأمير حسين مع شقيق زوجته، و كان هو الآخر فارا من وجه الخاقان، و وجد فى نسيبه عونا صادقا، و نصيرا جديدا، و إن كان الاخير يعتقد فى نفسه الشريف و عظم الشأن أكثر من تيمور ذاته إلا أن زوجة تيمور كانت سببا فى التوفيق بينهما، فاتفقا أمام الخطر الداهم، و خاضا غمار الحرب معا، و فيه جرح تيمور فى يده و رجله، فأصابه العرج من وقتها، فسمى لذلك « تيمورلنك » (تيمور الأعرج ).
ما لبث تيمورلنك بعد ذلك أن استعاد قوته و عزه شيئا فشيئا، و اقتاد السعد إليه مرغما حتى نودى خاقانا به على التركستان الكبرى فى جمعية الأعيان التى انعقدت فى مدينة سمرقند سنة 1369م، و كان عمره إذ ذاك أربعا و ثلاثين سنة.
فى الايام التالية أخذ تيمور ينظم شئون المملكة، ففى أقل من عشر سنين استولى على تركستان الشرقية و خوارزم، و هب يطارد اعدائه اينما كانوا، و يقذفهم بالكتيبة من اشياعه و انصاره، و رجاله و اتباعه، لا يترك لهم فرصة للراحة و الاستعداد، و بذلك استطاع تيمور أن يوطد ملكه، و يضم ولايات تركستان بعضها إلى بعض، و يؤلف وحدة سياسية بينها، حتى يتمكن بعد ذلك من فتوحاته العظيمة إلى أطراف المعمورة،،، و لم يكتف تيمور بما وصل إليه من عظم الشأن و ضخامة السلطان، فراح يطلب أن يضم إلى تركستان كل البلاد الواقعة حولها، و لذلك تدرج فى فتوحاته، و استولى على هرات و ما حولها. و بافتتاح هرات اتسعت مملكته – لان هذه وحدها – كانت تضم ربع مليون من الأنفس، و مئات من المدارس، و ثلاثة آلاف حمام، و عشرة آلاف مخزن تجارى.
و فى هذه الآونة هرب « توقتاميش خان » احد أمراء القريم إلى بلاط تيمور، و كان من اتباع « اوروس خان » خاقان الدولة المغولية الاوربية، اى: « دولة آلتون أوردو »، فجاء بعض رجال الخاقان فى طلبه من تيمور، فلم يقبل رده، بل شده ازره ببعض رجاله حتى مكنه من الجلوس على عشر المملكة التى كان طريدا منها، و لكن توقتامش لما وصل إلى العرش أصبح رجلا غير ذلك الأمير الهارب الذى جاء يطلب مساعدة تيمور، و طمع فى عرش تركستان نفسه، فهاجم حدود تيمور وقت أن كان فى جولة له ببعض جهات خراسان، فما أن جاء الخبر حتى سار برجاله، فهرب توقتامش، و لكن غيابه لم يطل كثيرا، فتقدم نحو تركستان مرة اخرى؛ و امر تيمور جنده بالتقدم نحن توقتاميش حتى هرب، فتقدم تيمور فى أثره إلى عاصمته « سراى » و مزق شمل رجاله فهرب بعضهم و انضم الآخرون إلى تيمور الفاتح.
اتجه بعد ذلك إلى موسكو ففتحها، و سحق مدينة دون، و استولى على البلاد الروسية كلها، ثم عاد إلى تركستان بطريق جديد، و نزل القوقاز، و استولى عليها، ثم مشى إلى بلاد خراسان بجنده و جيشه، فدفعت له الجزية أربعة عشر مدينة، و وصل إلى عاصمته سمرقند بعد فتوحات عظيمة.
توجه تيمور بعد ذلك إلى بلاد فارس، لأن الحالة الاجتماعية هناك لم تكن تبعث على الرضا، فقد كان ملوكها و أمرائها لا يفكرون فى غير مصالحهم الشخصية و ملذاتهم الدنيوية، و إلى كافة ألوان المرح و العبث و اللهو، و يتركون البلاد و شأنها، لا يعملون على تحسين الحالة، و إستتاب الامن، فنزل تيمور إليها على رأس سبعين فرقة من أبطال تركستان حتى أشرف على أصفهان. فما كاد أن يصل و يحط رجاله خارج المدينة، حتى خرج كبارها يسلمون عليه، و يعرضون طاعتهم و خضوعهم، و لكن لم يأت الليل بظلامه الساتر حتى خرج الناس من بيوتهم، و قتلوا من التركستانيين ثلاثة آلاف نفس، فيهم عدد لا يستهان به من الأكابر و القواد؛؛؛؛ غضب تيمور لما احل بأبناء وطنه، و رجال حاشيته و قواده فأمر كل فر من افراد جيشه أن يحمل إليه رأس فارسى، و كان عدد جنوده سبعين الفا و على أثر ذلك وضع تيمور يده على بلاد فارس، و دفعت له الجزية كل المدن، و ذكر الخطباء إسمه على المنابر، ثم تدفق بجيوشه نحو الفرات فتغلب على السلطان احمد جلاير، و كان ظالما فأنقذ رعاياه من جوره، و استولى على بغداد، ثم صار صوب الهند، و عبر نهر الهندوس، و تم له فتحها فى مدة وجيزة، و دخل دهلى عاصمة الهند فاتحا منتصرا، و اغتنم منها ما لا يعد و لا يحصى من الجواهر و الاموال، و بهذا دانت له جميع ربوع آسيا، و لم يبق أمامه إلى بلاد العرب و البلاد العثمانية التى سيأتى دور كل منها فيما بعد.
عاد تيمور من حرب الهند فى شهر مايو سنة 1399م، و فى شهر يوليو من نفس السنة ركب على رأس جنده و مضى يزحف على البلاد العربية، فغزا سوريا، و الشام و حارب السلطان بايزيد خاقان الدولة العثمانية التركية و أسره مع ابنه (20 يوليو سنة 1402م) واستولى على الأناضول كلها و رفرف علم تركستان فى سمائها، ووحد الأتراك تحت راية واحدة فتقدم إليه سلطان مصر بالطاعة بعد الانتصار العظيم و أرسل الهدايا و التحف، و سجن صاحب بغداد و ألد أعداء تيمور أرضاء له.
أما ملوك أوربا فقد وقفوا مدهوشين ذأهلين يخطبون وده و يرسلون الرسل و الكتب إلى تيمور سيد آسيا و خاقان تركستان.
هذا هنرى الرابع ملك انجلترا الذى يحارب زعماء الجرمان بعيدا عن عاصمة ملكه كتب إلى تيمور يهنئه بإنتصاراته العظيمة.
وهذا شارل السادس ملك فرنسا بعث بتقديره و إعجابه إلى تيمورلنك خاقان تركستان و معه كتاب و بعض الهدايا.
و أما عمانوئيل امبراطور بيزنطة فيقدم طاعته لتيمور، و يبعث إليه بالهدايا و التحف. و أما السفن الجنوبية فقد رفعت علم تركستان على مقدمتها، و أرسل الدون هنرى ملك قشتا له فى اسبانيا نبيلا من رجاله إلى تيمور، فلحق الرسول بتيمورلنك حتى وصل إلى سمرقند عاصمة تركستان و راح يكتب عن مشاهداته.
وعاد هنرى الثالث فأرسل إلى تيمور وفدا آخر برياسة النبيل « كلافيجو »فذهب إلى آسيا الصغرى فوجد تيمورا قد تركها عائدا إلى سمرقند فلحق به وفاقا للأوامر المعطاة له.
و لما رجع تيمور إلى تركستان راح ينظر فى ما جرى فى غيابه و ما قام به نوابه من الإدارة و الإحسان فأمر بقطع رؤوس بعضهم و أثنى على البعض الآخر من المخلصين و قدرهم و أعلى شأنهم. و امر البنائيين بإنشاء قصر جديد تكون حجارته بيضاء لامعة و أحس فى نفسه قوة جديدة فصمم على فتح الصين و زحف إليها بجيشه العرمرم و لكن الموت داهمه فى الطريق فأسلم الروح بالقرب من مدينة « اوترار » 17 فبراير سنة 1405م و هو ابن سبعين سنة و نقل جسده إلى العاصمة و دفن بها.
و لقد اعقب موت هذا الخاقان العظيم بعض الاضطرابات السياسى فى البلاد و قد استطاع ابنه « شاه رخ » أن يثبت سلطانه على معظم ملك أبيه، و يكبح الثائرين من اقاربه، و بعد أن توفى تمكن ابنه « اولوغ بك » أيضا من المحافظة على امبراطورية تركستان و ممتلكاتها من الهند إلى العراق و نشطت فى عهدهم العمارة و الحضارة و استبحر العمران و اتسعت التجارة و امتد السلام على الامبراطورية.
و قد أكثر تيمورلنك وأحفاده من الإصلاحات النافعة فى تركستان، فعنوا بالزراعة واهتموا بالرى، و مهدوا الطرق، و امنوا السبل، و قد افتخر تيمور فى نظاماته « توزوكات » بأنه أعاد الأمن إلى ربوع آسيا بحيث أصبح يتسنى للصبى أن يسير بكيس من ذهب من شرق البلاد إلى غربها آمنا مطمئنا.
وعنى تيمورلنك بتأسيس المدارس و المساجد و الجوامع و المرصد و المكاتب و المصانع و المستشفيات. و تقدمت فى عهده الفنون الصناعية و التجارية و الزراعية، فنشطت التجارة و صارت تزدهر متاجر البلاد القاصية من الشرق و الغرب، فازدحمت تركستان بساكنيها، و صارت مركز تجار الشرق. و قد ابتنى فيها القصور الشاهقة و الرياض النضرة، و حذا حذوه أبناءه و أحفاده، فوصلت تركستان إلى قمة المجد و الشهرة.
وكان أبناء تيمور و أحفاده ( شاه رخ، و اولوغ بك و حسين بايقرا، و خليل سلطان، و بابرشاه ) ماهرين فى العلوم الرياضة و الهندسة و الفلك. و بنى اولوغ بك حفيد تيمور مرصد سمرقند و إليه ينسب زيج اولوغ بك أو الزيج الجديد السلطانى، و ترجم الاوربيون كثير من كتبه، و استفادوا من بحوثه و تدقيقاته، و كان عصر الدولة التيمورية عصر إزدهار للآداب و الفنون. و كان بنو تيمور يعنون بالكتب و ينظمون الشعر، و كثير منهم اجاد فى شعره. فالسلطان « حسين ميرزا » كان فى شعره جليل القدر عالى الكعب، و شعره التركى يفوق شعر كثير من شعراء وقته، و قد كتب أيضا بعض آثاره باللغة العربية.
يقول الدكتور عبدالوهاب عزام بك عميد كلية الآداب بالجامعة المصرية « أن بنى تيمور كانوا فى أساليب حياتهم يشبهون أمراء أوربا المعاصرين، أو أمراء فرنسا فى القرن الثامن عشر، و لكنهم كانوا فى الادب أعظم اثرا. كان شاه رخ و اولوغ بك و باى سنقر و السلطان حسين محبين للكتب، يعنون بالاجادة فى نسخها و تذهيبها و تحليلها. فهم لا يقلون عن معاصريهم دوقات برجندى ( Bergundy )، و لا يقاس بهم عشاق الكتب فى إيطاليا خلال القرنين السادس عشر و السابع عشر.
و كان باى سنقر و السطان حسين فى إيران كما كان موريس فى انجلترا، إذ انهم بعد أربعة قرون لم يكتفوا بجمع الكتب بل خلقوا فنونا لها. و لا يمكن أن يقاس بالكتب الشرقية فى ذلك العصر أجمل ما عرفت أوربا من الكتب. و كان باى سنقر خاصة مولعا بالفنون الكتابية فنشأ فى رعايته أجمل الاساليب فى صناعة الكتب. و هو منو أعظم المولعين بالكتب فى العامل كله. كان يعمل بأمره و تشجيعه أربعون صانعا فى نسخ الكتب، و بلغت العناية بالورق و التصوير و التجليد حدا لا يعرف نظيره اليوم، و صنع فى قصورهم من السلاح و الدروع و الأدوات و الآنية المحلاة بالعاج ما لم تعرف مثله الاقطار الاخرى. و قد نبغ فى هذا العصر كثير من الكتب و المؤلفين، و قد عد المؤرخ خواندمير فى كتابه « حبيب السير » زهاء مائتين من الكتاب و المؤلفين فى ذلك العصر.
و قصارى القول إن عصر تيمور و أبنائه كان أزهر العصور للعلوم و الفنون و الصناعة و الزراعة. و فى ذلك العهد تقدمت اللغة التركية تقدما باهرا، و انجبت تركستان أعظم شعراء الأتراك وأكبر أدبائهم و هو « مير على شير نوايى » الذى أجمع مؤرخوه على أنه كان من الأفذاذ الذين تزين بهم تاريخ الإسلام.
فلما انقسمت الدولة التيمورية و عم النزاع فى تركستان و اشتد الاضطراب استطاع « محمد ظهير الدين بابر » من أحفاد تيمور أن يؤسس فى الهند دولة مستقلة لنفسه تعد من أعظم الدول التى عرفها تاريخ الإسلام. سيطرت على الهند كلها حينا من أبناء تركستان و أصبحوا حكاما غير منازعين.
وأما فى تركستان فقد حلت الدولة الأزبكية محل الدولة التيمورية و حفظت مجد تركستان و عظمتها، إلا أن ملوكها كانوا محبين للسلام، بعيدين عن الحرب ما لم يكرهوا عليها، و أعظم ملوك هذه الأسرة السلطان أبو الفتح محمد خان الشيبانى « شايبان خان » و ابن أخيه السلطان عبيدالله خان و كانوا من أسرة جنكيزخان.
و جملة القول أن القرن الخامس عشر و أوائل القرن السادس عشر يعد من ازهى العصور التى تبوأت فيها الأمةالتركية أوج عظمتها، فقد انتصر العثمانيون فى فتوحاتهم شرقا كما امتدت فتوحاتهم إلى « فينا » غربا. و كان النصر كذلك حليف التركستانيين فقد امتد سلطانهم فى الجنوب إلى خليج البنغال فى الهند.
و فى سنة واحدة ( أعنى سنة 1526م ) خدمت الاقدار كلا الجانبين من الأمة التركية، فقد استولى العثمانيون بعد واقعة « موهاش » على ما يتاخم نهر « طونا » فى الغرب، كما استولى التركستانيون بعد واقعة « بانيبات » على حوالى نهرى هندوس و كنج و بلاد الهند الوسطى و فى الجنوب، و أما فى جهة الشمال فقد رأينا القازانيين يبسطون نفوذهم و سلطانهم على بلاد الروس. و نستطيع هنا أن ندع المؤرخ الفرنسى الشهير (tluoerS) يحدثنا بعبارة موجزة عن جلال ذلك العصر الزاهر فقد قال «إن القرن السادس عشر الميلادى عصر ازدهار للأتراك حيث اسسوا امبراطورية عظيمة اوسع من الامبراطورية العربية و امبراطورية اسكندر تمتد من بحر ادرياتك حتى نهر كنج و خليج البنغال و من الشمال روسيا حتى بلاد الغرب و فى قارة افريقيا حتى الصحراء ».
و فى الحق أن هذا العصر لم يكن له مثيل فى جميع العصور التى مرت على الدول التركية الإسلامية، يستوى فى ذلك التفوق السياسى و المقدرة العسكرية و الثورة الاقتصادية و النهضات الأدبية و الصناعية و العلمية. و قد تلألأ فى سماء هذا العصر كواكب مشرقة من الشخصيات الفذة الممتازة اعنى اولئك العظماء و العباقرة الذين هم مفاخرة الأتراك على الدهر كله. فمنهم السلطان سليم الأول و السلطان سليمان القانونى و السلطان ابوالفتح محمد شايباق خان، و السلطان عبيدالله خان، و السلطان عبدالرشيد خان،،، كان هؤلاء السلاطين العظام خير عنوان لمجد الأمة وعزتها لا فى الملك و السياسة و الكفاءة العسكرية فحسب بل كانوا السباقين فى حلبة البيان، و البارزين فى ميدان الشعر و النثر و لا زالت مآثرهم الأدبية الخالدة منقوشة على جبهة التاريخ بأحرف ذهبية لا تمحى. هاهى سيرة بابر « بابرنامه » و دواوين الملوك الآخرين تناجينا بعبقريتهم الخالدة و افكارهم السامية. و لم يكن التفوق قاصرا على الملوك فقد كان ثمة عظماء و ابطال غيرهم مثل على شير نوايى و فضولى من صفوة الاعلام الادب التركى، و سنان باشا من خيرة رجال المعمار، و طرغود و خير الدين بربروس من ابطال البحرية البارزين. و فى هذ العصر تربع الأتراك على عرش الخلافة الإسلامية (1517م) و رفعوا لواءها. و أصبحوا زعماء الأمم الإسلامية و قادة العالم الإسلامى و إلتفت حولهم قلوب المسلمين فكانوا معقد رجائهم، و قبلة أمانيهم، و قد أحاطوا أشخاص السلاطين بالحب و الإكبار فتوحدت الكلمة بعد شقاق، واجتمعت القلوب بعد افتراق. و تستطيع أن تقول إنها أكبر ظاهرة فى تاريخ هذا العصر و تلك الخلافة الإسلامية التى كان نفوذها لا يقتصر على ميدان السياسة و الحرب أو النفوذ الدولي بل كان المسلمون يدينون لهم بالطاعة مخلصين و يتسابقون إلى حبهم مختارين. | |
|