تركيا رجل الشرطة الإقليمي الجديد!
خلال زيارة رئيس الوزراء التركي الطيب اردوغان إلي الولايات المتحدة في أوائل فبراير راجت أنباء تقول أن الرئيس الأمريكي طلب من اردوغان أن تقوم تركيا بدور نشط في نشر ما يوصفه بالإسلام المعتدل حسب المفهوم الذي يتبناه الحزب الحاكم (حزب العدالة والتنمية برئاسة اردوغان ) في المنطقة العربية والإسلامية وذلك عن طريق إرسال الأئمة والدعاة الأتراك.
ويبدو أن الرئيس بوش قد نسي أن الدولة التركية علمانية وأنها بالقطع لن ترسل دعاه إسلاميين حسب أي مفهوم حتى ولو كان ذلك المفهوم هو ما يقال أن الحزب الحاكم يتبناه حتى ولو كان هذا المفهوم يلقي الترحيب في الغرب ويوصف باسم الإسلام العصري أو حتى العلماني! غير أن المطلب الأمريكي علي غرابة يشير إلي حقائق معينة.
أولها أن أمريكا تعتمد في سبيل ضرب الإسلام في المنطقة علي أسلوب اختراع ما يسمي بنسخ معدلة "معتدلة" وعصرية للإسلام هي في حقيقتها معلمنة ومتغربة كي تواجه بها الإسلام الصحيح الذي أصبح موصوفا الآن بالتطرف والإرهاب وعدم العصرية وقد تقدمت عدة جهات في المنطقة بمنحها الخاصة من هذا الإسلام المعدل تحت مسميات عديدة مثل تجديد الخطاب الديني وإصلاح الفكر الديني وما شابه وبدا كما لو أن عدة مقاولين محليين يسعون إلي الفوز بالمناقصة الأمريكية الغربية لتوريد الإسلام الجديد كذلك ظهرت عدة أصوات من بين الكتاب والمثقفين الموالين للسلطة في عدة بلاد عربية تطرح مفاهيم ما يسمي بالاعتدال والعصرية الدينية.
إلا أن أمريكا علي ما يبدو قد تجاهلت كل هذه الطروحات واختارت أن تمنح الضوء الأخضر للموافقة إلي الإسلام العلماني أو العصري التركي في تطور يشير إلي الحقيقة الثانية التي يدل عليها المطلب الأمريكي من اردوغان. وهذه الحقيقة هي أن أمريكا علي ما يبدو اختارت تركيا في هذه المرحلة لتقوم بدور رجل الشرطة الإقليمي الجديد بجانب إسرائيل بالطبع. لقد حظي اردوغان في رحلته إلي واشنطن بترحيب كبير يتناقض مع ما يعلن أحيانا في صحف الغرب من أنه وحزبه لهما ميول إسلامية وهو مايفترض أن يغضب أمريكا التي تعلن الحرب الآن علي ما تسمية بالتطرف الإسلامي.
كذلك كان يفترض أن تغضب أمريكا مما يتردد في وسائل الإعلام بين الوقت والأخر حول معارضة تركيا لخطط وأهداف أمريكا في المنطقة وبالتحديد في العراق حيث ترفض منح الأكراد في الشمال الحكم الذاتي تحت مسمي الفيدرالية. لكن هذه المعارضة التي تزود أنباؤها لم تحل دون الطلب الأمريكي بأن تنشر تركيا النسخة المنسوبة لحزبها الحاكم من الإسلام رغم علمانية الدولة التركية ولم تحل كذلك دون أن يلقي الطلب الأمريكي الترحيب التركي. وظهر من اتجاه الريح السياسية في المنطقة أن الدور التركي الجديد المقترح من جانب أمريكا قد أخذ يتحقق علي أرض الواقع.
فقد بدأت تحركات عربية وإسرائيلية صوب أنقرة علي مستويات عالية أثمرت الحديث عن وساطة تركية – مصرية بين سوريا وإسرائيل كما أثمرت عن تقارب مصري مع ما وصف بأنه التصور التركي – الإيراني – السوري لحل الأزمة في العراق في مقابلة التصور الأردني - الخليجي. وفي نفس الوقت بدأت تطرح تصورات عربية حول الاعتدال الإسلامي تتمشي مع المفهوم الذي يروج له حزب رئيس الوزراء التركي تحت عنوان الإسلام العصري أو الديموقراطي. وكان من هذه التصورات ما طرحه الدكتور مصطفي الفقي رئيس لجنة الشئون الخارجية في البرلمان المصري عبر مقاله له بجريدة الأهرام القاهرية في أوائل فبراير.
وبدا أن هذه الدعوة المواكبة للمطلب الأمريكي من تركيا جاءت لتعلن نوعا من المشاركة والمؤازرة في عملية الترويج لمفاهيم إسلامية معينة تتمشي مع التصورات الغربية التي يجرى فرضها بإلحاح. كذلك فإن هذه الدعوة سبقت مباشرة الاتصالات التركية - المصرية عالية المستوى مما أوحي بأنها جاءت مقصودة لتصب في خانة هذه الاتصالات ولتعلن عن خطوة من خطوات المساندة والقبول بالدور التركي الجديد الذي أفتتح من جانب أمريكا بطلب ترويج الإسلام العصري حسب النسخة التركية ثم يتزعم تركيا للوساطة بين سوريا وإسرائيل.
ويدعم الدور التركي الجديد عوامل وتطورات مختلفة . منها مثلا الدعوة المتكررة التي تصدر عن باكستان من خلال الجنرال مشرف لإعلان ما وصف بالجهاد ضد التطرف الإسلامي ولصالح ما يوصف بالإسلام التقدمي وهو ما يعد انضماما للدور الإقليمي التركي ووضع باكستان التي كانت تطرح في الماضي للعب دور إقليمي خاص بها لتكون مجرد تابع وراء الدور التركي الجديد .
ويصب في هذا الدور المضغوط التركية علي القبارصة الأتراك للوصول إلي تفاهم حتى ضد رغبتهم مع القبارصة اليونانيين لإنهاء الأزمة القبرصية مما ينعكس علي مكانة تركيا ليس في المنطقة فحسب بل في أوروبا وينعكس علي فرصها في الانضمام للإتحاد الأوروبي. كذلك يصب في هذا الدور التحرك التركي النشط في اجتماعات دول الجوار للعراق وكسبها لإيران ومصر وسوريا لتعزيز مواقفها التي تؤكد علي وحدة الأراضي العراقية ليس بسبب التمسك بالقوانين الدولية ولكن أساسا وفقط لرفض قيام أي كيان كردي في شمال العراق تحت مسمي الحكم الذاتي أو الفيدرالي.
ويدعم الدور الإقليمي التركي تعاونه مع الدور الإسرائيلي وهو ما يتجلى في العلاقات بين البلدين من صفقات تسليح إلي مناورات مشتركة وربما بيع للمياه التركية ثم مساعدة لتسوية الأعضاء بين سوريا وإسرائيل . إن تركيا مؤهلة بالطبع من وجهة نظر أمريكا للقيام بدور إقليمي لأنها عضو في حلف الأطلنطي وهي واقعة تحت حكم نظام حسم خيارات لصالح الغرب في كل المجالات مما يجعلها دولة أمنية ولا يتوقع فيها الردة إلي الإسلام أو إلي قومه تركية مستقلة كما لا يتوقع منها أن تنسلخ من التبعية للغرب لتعود إلي حلبة المنطقة كدولة مندمجة فيها ومشاركة لها في مصالحها.
وفي نفس الوقت فإن تركيا لها من المقومات ما يجعلها تصلح للعب دور رجل الشرطة الإقليمي ولا يعود ذلك فقط إلي قوتها العسكرية التي تأتي في المرتبة الثانية في الإقليم بعد إسرائيل وإنما يعود في المقام الأول إلي علاقاتها التاريخية بالعالم العربي والإسلامي وهي علاقات يمكن استغلالها بجانب النسخة العصرية للإسلام علي طريقة ضرب العدالة والتنمية لكي تكون بمثابة حصان طروادة للتغلغل إلي المنطقة.
غير أن اختيار أمريكا لتركيا للعب دور رجل الشرطة أو ضابط الإيقاع الإقليمي إنما تدل علي شيء خطير هو ترك أمريكا وتخليها عن سائر القوى العربية التي كانت عكس أن تلعب دور إقليمي أو التي كانت ترغب وتمني النفس بلعب هذا الدور . ويعكس هذا تصور أمريكي عن عدم جدارة تلك الدول بذلك الدور ربما لضعفها أو عدم استطاعتها كما قد يعكس من المنظور الأمريكي ابتعادا عن العالم العربي الذي ارتبط بفكر القومية العربية وكذلك بفكر الوحدة الإسلامية التي تجعل منه النواة لعالم إسلامي أرحب وأوسع.
وهذا التوجه كذلك ليس أمرا جديدا لأنه يمثل بالضبط التحقيق لما يتردد منذ فترة حول مفاهيم بديلة للعالم العربي سواء أكان ذلك مفهوم المتوسطية (النابع من أوروبا) أو مفهوم الشرق أوسطية أو الشرق الأوسط الكبير الذي أخذ يتحقق الآن بدءا بخطوة أمريكا اللافتة للنظر التي تطلب من دولة علمانية متغربة أن تقوم بدور الترويج بما يسمي بالإسلام المعتدل ولا تطلب ذلك من حليفتها الكبرى المفترضة في المنطقة والتي تملك الأزهر وقد جرى إعداده منذ سنوات لهذه المهمة التي يبدو الآن أنه لن يقوم بها لو قدر له ذلك إلا من خلال دور تابع لتركيا.
إن الأهمية الحقيقية للدور التركي الجديد لا تكمن في الحقيقة في نشر أو ترويج ما يوصف بالإسلام العصري فهذا ما لا تستطيع تركيا القيام بها سواء بحكم طابع دولتها العلماني أو بحكم عراقيل اللغة وعدم وجود وعاظ وكوادر مؤهلة. أنما الأهمية تكمن في أن هذا الدور ينطوي علي إسقاط للعالم العربي ووضعه تحت الهيمنة والتبعية لكل من تركيا وإسرائيل كقوى إقليمية تعمل بالتعاون مع الغرب.
كذلك فإن التصريح الأمريكي المعلن حول النوايا في تشويه الإسلام والتلاعب به تحت مسميات عدة هو أمر يجب أن يوقظ القوى الإسلامية الحية لكنه علي خطورة يكشف عن الحقيقة الكامنة وراء دعوات باطنها علي عكس ظاهرها مثل الحديث المكرر والملح حول تجديد الخطاب الديني الإسلامي وحده وتعديل مفاهيمه
منققووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووول
الإثنين فبراير 15, 2010 4:23 pm