الاستملاك لأغراض مشبوه
تحسنت قوانين حقوق الإنسان في سوريا تحسناً ملحوظاً في الفترة الأخيرة . و خصوصاً بعد تولي الرئيس بشار الأسد السلطة في عام 2000. الذي قام بإصدار العديد من المراسيم الجمهورية التي لو طبقت بحذافيرها لكانت قد حسنت من مستوى المعيشة و الرفاهية للشعب بأكمله. ووضعت سوريا في خانة الدول المتقدمة. غير أن اغلب المسئولين و الموظفين يضربون عرض الحائط بتلك المراسيم و منها قانون النظافة و قانون السير و قانون تشغيل المعوقين رقم 34 لعام 2004. الذي ينص على تشغيل المعوقين ضمن الدوائر الحكومية فوراً و أيضاً مرسوم إعفاء النازحين من رسم الطابع المالي و هناك الكثير من المراسيم و القوانين غيرها .
و هناك جهات داخل الحكومة تقوم باستغلال تلك القوانين بالشكل التي ترغب به. وفق مصالحها الخاصة, و من القوانين المثيرة للجدل التي يتم التلاعب بها قانون الاستملاك المثير للجدل . الذي ينص على حق السلطات العامة باستملاك أي عقار تريده لمصلحتها إذا كان الاستملاك يفيد المصلحة العامة .
و تقوم تلك الجهات و العصابات العاملة معها من خارج الحكومة و داخلها بتسخير ذلك القانون لمصالحها الخاصة على حساب طرد آلاف الملاك من أراضيهم و مناطق سكنهم و منشاتهم. و أيضاً على حساب المئات من المستثمرين الأجانب الين قدموا للاستثمار في البلد و بين ليلة و رحاها أصبحوا مهددين بالطرد من منشآتهم خصوصا المستثمرين في المنطقة الحرة بالجمارك وسط دمشق .
و تعددت طرق استغلال هذا القانون, ومن أكثر أشكاله الاستملاك الذي تقوم به وزارة الدفاع حيث تسيطر الوزارة و تحت حجج حالة الحرب على الكثير من الأراضي الزراعية في مختلف المحافظات و تزداد في محافظات الجنوب الخمسة , و أما أن تقوم باستملاكها بشكل نهائي أو تقوم بوضع ثكنة عسكرية دون استملاكها و تمنع ملاك الأرض من الاقتراب و الزرع في الأرض . و تبقى على هذه الحال لعشرات السنوات دون أن يخرجوا من الأرض و في كثير من الأحيان يقوم بعض العملاء و السماسرة بشراء الأرض بسعر بخس جداً. و ثم يفاجئ المالك الأول بخروج قطعة الجيش من الأرض .
أما عن استملاك الأراضي لصالح الوزارة ففي البداية ترسل وزار الدفاع كتاب إلى السيد رئيس الوزراء يفيد أنها قامت بوضع يدها على الأرض لأغراض عسكرية. و تطلب من مكتب رئاسة الوزراء إصدار قرار استملاك الأرض لصالح الوزارة. و بعد الحصول على موافقة الاستملاك تقوم بإرسال مفرزة عسكرية مكونة من عدة جهات من داخل المؤسسة العسكرية و تقوم بإزالة كافة المنشات و المزروعات من على الأرض .
ولكن في اغلب تلك الاراضي المستملكة لا نجد أي نشاط عسكري, و لا أي قطعة عسكرية مما يضع علامات استفهام حول مغزى عملية السيطرة على الأراضي من قبل وزارة الدفاع .
و استطاعت تلك العصابات المتنفذة في مختلف الوزارات من السيطرة على آلاف القطع من الأراضي دون أن يستطيع احد أن يردعها و أصبحت عملياتها المشبوهة حديث الشارع السوري .
و ما زال قانون الاستملاك الجديد قيد التداول و يقوم الكثير من المتنفذين بتأخيره قدر الإمكان حتى يتسنى لهم السيطرة على اكبر قدر ممكن من الأراضي .
و المثير للجدل في قانون الاستملاك هو في التعويض المادي الذي هو روح قانون الاستملاك .و لكن التعويض المادي يحسب حساب غريب فهو لا يقوم على تخمين قيمة العقار ودفع قيمته بناء على التخمين كما في معظم دول العالم حيث يحل خبر الاستملاك كنعمة على صاحب العقار المستملك بل يقدر مثلاً بحسب إنتاجية الدونم السنوي من محصول زراعي يزرع في تلك المنطقة و يضرب المبلغ على عدد من السنوات لا يتعدى العشر سنوات و بالتالي يتم الدفع بناء على هذا المبلغ . و الغريب أن قطعة الأرض في مركز العاصمة تحسب قيمة بدل استملاكها على هذا الحساب فبذلك تصبح قيمة الأرض الذي يطلب فيها 500 مليون ليرة ثمنا لها تصبح ب خمسين ألف ليرة سورية أي بنسبة واحد بالألف من قيمتها الحقيقية . أما عن قانون الاستملاك الجديد فلا يزال منذ عشرات السنوات قيد الدراسة و التعديل و كلما يتم تحويله إلى مجلس الشعب لإقراره يعاد لأجل التعديل و لأسباب أصبحت معروفة للقاصي و الداني . و و قد كانت استملاكات الاراضي في سوريا من اهم المظالم التي تعرض لها الشعب و كانت من اهم الاسباب التي دعت الجمهور للتظاهر لاسقاط النظام و بدليل على ذلك ان اغلب العرائض التي قدمها المتظاهرين في الثورة الحالية طالبت باعادة الاراضي المستملكة لاصحابها او التعويض المناسب لاصحاب الاراضي . فعلى سبيل المثال اشتكى اهالي برزة في عريضة تبين اسباب خروجهم و إصرارهم على اسقاط النظام من استملاك أراضيهم و تعويض أصحابها بمبلغ بخس و قدره 85 قرش سوري للمتر المربع الواحد, اي بمبلغ 850 ليرة سورية للدونم الواحد, و قيام احد المسئولين من القصر الجمهوري بزيارة أهالي برزة أوصى برفع التعويض ليصبح 850 ألف للدونم الواحد اي الف ضعف المبلغ الأول و سرعان ما استهجن أهالي برزة ضآلة التعويض المقترح , و عند قيامه بإجراء تخمين لقيمة العقارات تبين ان سعر الدونم يتراوح مابين 85 مليون الى 160 مليون ,اي حوالي الف ضعف المبلغ المقترح منه و مائة ألف ضعف المبلغ المدفوع سابقا. و سرعان ما نندهش من هشاشة المبلغ الذي دفع لأهالي برزة وهو 1 \ 100000 من المبلغ الأصلي و ما يزيد الطين بله هو قيام الحكومة باستغلال تلك الأراضي ببيعها بطرق ملتوية لمستثمرين لبناء مباني سكنية تباع للعموم بمبالغ خيالية و هذا ما ينافي روح الاستملاك و الذي هو للمنفعة العامة .
هذا هو خطأ بشار الأسد عندما ترك تلك العصابات الإجرامية تعيث فسادا في البلاد و إيصال البلاد الى مرحلة اللاعودة . و إدخالها إلى مرحلة النفق المجهول .
طارق السرحاني
كاتب صحفي من الجولان
jolany@live.com