الأويغور فى عهد دولة الإيلخانية
د. عبدالرحمن جمال الكاشغري
تشكلت دولة الإيلخانيين سنة 1258م على يد هولاكو ابن تولوي ابن جنكزخان. واتخذت دولة الإيلخانيين أرض الفرس وآسيا الصغرى مركزا لها. وشملت مساحتها الأراضى من الشرق إلى نهر آمو، ومن الغرب إلى البحر المتوسط، ومن الشمال إلى القوقاز، ومن الجنوب حتى المحيط الهندى. وأدى الأويغور-من دولة إديقوت الأويغورية غير الاسلامية- وظيفة مرموقة فى هذه الدولة من بداية تكوّنها حتى نهايتها.
تدخل الأويغور تدخلا نشيطا فى الحياة السياسية والاجتماعية لهذه الدولة فى عصر الإيلخانيين. ومعظم شعب الأويغور الذين هاجروا إلى ايران وآسيا الغربية استوطنوا بشكل جماعي فى مدينة الري وقم الإيرانية؛ وفى الأناضول فى مدينة قيصرية وكونيا وقارامان (التركية الحالية).
قبل مجيء هولاكو إلى حدود إيران عُيِّن الإخوة الأويغور- من دولة إديقوت غير الاسلامية- "جن تومور، وكوركوز، وآرغون" واليا على مناطق خراسان وشرق إيران من قِبل خاقان المنغول مونكخان. وكوركوز هذا كان أستاذا لأبناء جنكيزخان، وهو كان يعتقد عقيدة البوذية ثم إعتنق الدين الاسلامي. أما آرغون كان شاعرا نابغا وخطاطا ماهرا، وهو أسلم على يد الشاعر الإيراني الشيخ السعدى بعد الحوار والمناقشة. وأما إبنه نوروز كان دافعا لاعتناق خاقان الإيلخانيين غازانخان(1295-1304) الدين الإسلامي.
نظرا للمعلومات التى أوردها رشيد الدين فضل الله، قد جاء أكثر من ألف شخص من الأويغور إلى إيران من وطنهم واشتغلوا بشؤون العلاقات والبريد. والذين أدوا خدمات جليلة فى ذلك الزمان بصفتهم وزيرا مالية وقائدا حربيا وواليا حاكما كانوا كثيرين إلى حد ما(1).
وبعض الأويغور الذين ذهبوا إلى ديار بكر(محافظة تركيا) عُينوا فى المناصب المالية والإدارية. فالأويغور الذين جاءوا إلى الأناضول تحت قيادة جورماغون كانوا من البوذيين، قائدهم كان يسمى سارجى ثم استمر فى قيادة الجيش أبناءه وهم قاراسودر، وسنشى باخشى وآل باخشى.. وغير ذلك يُذكر آجاي وإبنه توغرول وسوبوكتاي كقواد الجيوش وزعماء للأويغور.(2)
والوالي العام الذى عيَّنه آباقاخان لإيران كان أويغورا يسمى أنكيانو، وهو كان يعتقد الديانة البوذية. ولكن مساعده جلال الدين الخوتنى كان مسلما تقيا. فالأويغور الذين تعاونوا فى إدارة الشؤون الحربية والإدارية والدينية فى دولة الإيلخانيين المغولية كانوا كثيرين.
ومن المعلوم للجميع، وجود جيوش الأويغور وقواد الجيش ضمن جيوش هولاكو الذى أخضع الشام سنة 1260م (3). والقائد سوقون جار ونَودار وبولادبوقا وقوتلوق قايا وتامتاش وغيرهم كانوا من قواد الجيش من أويغور دولة إديقوت الأويغورية-غير الاسلامية- ضمن جيوش المنغول.
وفى عهد أبو سعيد الإيلخانية كان الأويغور أرتنه ابن جفر واليا عاما فى الأناضول (ولاية رومية سابقا). وهو أعلن الاستقلال فى الأناضول سنة 1335م وأسس هناك "خانية أرتنه"، وتوفى سنة 1353م، ثم اعتلى العرش ابنه آلي بك(1352-1380).. وهذه الخانية استمرت فى الحكم لمدة 46 عاما.
دفن أرتنه فى مدينة قيصرية التركية الحالية، وكان قد جمع حوله جميع الأويغور. إذ يكتب محمد بن شاباكره عن أرتنه فيقول: الأمير أرتنه عُيّن لإدارة ولاية الروم بأمر من السلطان أبو سعيد. وبعد وفاة أبو سعيد حكم أرتنه فى المملكة بالعدالة وجعل حياة الناس فى الرفاهية، واهتم كثيرا لتقوية الشريعة الاسلامية ونيل العلماء والمشايخ للعزة.."(4)
ذكر كل من نور الدين حسن من الحلب، وصلاح الدين سابادى من مصر عن خلق أرتنه وعن تقواه وعن تواضعه وعن عدالته وعن احترامه للعلماء.(5)
فى عهد الإيلخانيين ارتفع شأن اللغة الأويغورية، فيكتب المؤرخ الفارسي الجوينى فى كتابه:" تاريخ جهان كوشاي"(تاريخ فاتح العالم) فيقول:"خرب المدارس نتجية الحروب التى دمر العالم، وقُتل العلماء، وتعرض مجمع العلماء (خراسان) لمثل هذه المصيبة، وقُتل هنا كل الذين يشتغلون بالقلم، والذين بقوا حيا لم يبقى لهم بد من تعلم اللغة الأويغورية".(6)
حسبما ورد فى كتاب رشيد الدين (جامع التواريخ) صدر الأوامر فى خراسان والهند بالكتابة الأويغورية. والمكتوب الرسمي الذى أرسله خاقان الإيلخانيين آرغون إلى كارول فرنسا فيلب4 كان بالكتابة الأويغورية.(7)
كذلك نجد معلومات حول إبداع المؤلفات العجيبة فى مجال الرسم للفنون الأويغورية فى عهد الإيلخانيين. ففى هذا العصر كل الرسوم الملحقة التى أُلحق فى كتاب" جامع التواريخ" لرشيدالدين صدرت من يد أويغورية فى ذلك العصر. وتشكلت فى هذا الزمان ظاهرة رسم الصورة على أسلوب الأويغور فى غرب آسيا وشمال أفريقيا نتيجة دافع الرسامين الأويغور.( المصادر:
(1) – انظر "مذكرة السياحة للمنغوليا"-ج.پ. كاربين، و"مذكرة السياحة للشرق" و.روبروك، بالصينية 1985، ص: 248.
و" مدخل عام الى تاريخ الترك" -أحمد زكي وليد دوغان، ط: 1981 استانبول، ص: 225
(2) - مدخل عام الى تاريخ الترك- أحمد زكي وليد دوغان، ط: 1981 استانبول، ص: 230، 232.
(3) – الأويغور فى إيران والشرق القريب فى عهد حكومة المنغول- آ. قادر بايوف، "وثائق الدراسات لآسيا الوسطى" 1985 بالصينية، العدد: 3، ص: 13-14.
(4) – هجرة الأويغور فى التاريخ عدة مرات لغرب آسيا- ي. ياسين. مجلة العلمية لمعهد الثقافة فى كاشغر، 1996 بالأويغورية، العدد:2
(5) - مدخل عام الى تاريخ الترك- أحمد زكي وليد دوغان، ط: 1981 استانبول، ص: 230.
(6) – تاريخ فاتح العالم- الجوينى، نقلا من كتاب "الأويغور فى الشرق والغرب"، ص: 334 بالأويغورية.
- المغول فى التاريخ- د. فؤاد الصياد، ط: 1980 بيروت، ص: 51 ، 338، 339.
(7) – تاريخ المسلمين فى شبه القاراة الهندية-د. أحمد محمود الساداتى، ط: 1959بالقاهرة، ج2، ص: 338
- المغول فى التاريخ- د. فؤاد الصياد، ص: 338.
( – موسوعة الاسلامية التركية- المجلد 12، الجزء الثانى، ص: 655. وانظر كذلك الى كتاب " فن التصوير عند الأويغور"- د. ربيع حامد خليفة، كلية الآثار –جامعة القاهرة.